لن يكون أمام المتداولين (وتحديداً المبتدئين) في الذهب بشكل خاص والمعادن الثمينة بشكل عام إلاَ أن يتشتتوا في ظل الكم الهائل من التحليلات والتوصيات، والتي أراها من وجهة نظري لا تعدو كونها هراء تم تجميله ببعض التحليلات الفنية والمخططات والنماذج السعرية بكل أشكالها المعقدة والبسيطة.
تحدثت في كثير من المقالات وكان آخرها "المعادن الثمينة بعيداً عن الثرثرة!" عن دور المعادن الثمينة وأهميتها كأدوات استثمارية (بالإضافة لكونها ملاذات آمنة)، وهنا في هذا المقال سأتطرق لنظرة تاريخية على الأداء السعري للذهب تحديداً، ولكن قبل أن نبدأ في المراجعة التاريخية لابد أن نؤكد على بعض النقاط التي ذكرناها في مقالاتنا السابقة ولكن نعيدها من باب التذكير:
1. الذهب ليس من الأصول المولدة للعوائد، بمعنى أنه لا يوجد عوائد أو فوائد من حيازته وإنما العوائد الوحيدة المحققة هي من خلال فروقات الأسعار.
2. هذا الطرح لا ينفي أهمية الأدوات الاستثمارية الأخرى بكافة أشكالها، ولكنه يتحدث عن الذهب بشكل خاص ودوره كأداة استثمار وكملاذ آمن.
3. الطرح الحالي لا يأخذ بعين الاعتبار المضاربات، وإنما الاستحواذ طويل الأجل، وبالتالي النسب المحسوبة والأرقام التي سيتم ذكرها لم تأخذ عنصر المضاربة والعوائد المحققة منه بعين الاعتبار.
كما نعلم قبل عام 1971 كان معيار الـ Gold Standard هو السائد، والذي كان يعتمد إمكانية استبدال كمية معينة من النقود الورقية بكمية محددة سلفاً من الذهب في أيٍ من البنوك المركزية، ولكن في عام 1971 وفي عهد الرئيس نيكسون تم إلغاء المعيار الذهبي، وهنا بدأت رحلة الذهب الحقيقية.في عام 1971 كانت أونصة الذهب عند حوالي 37 دولار، وفي أغسطس من عام 1972 وصلت أونصة الذهب إلى حوالي 70 دولار للأونصة، أي أنها ارتفعت بنسبة 90% تقريباً، ولكن وحتى نكون موضوعيين في الطرح ونستثني سعر الذهب قبل إلغاء المعيار الذهبي سنبدأ من قاع الذهب من يناير 1972 عند حوالي 44 دولار للأونصة ولغاية القمة التي حققها في الربع الأول من عام 2019 عند حوالي 1344دولار للأونصة، وخلال هذه المدة حقق الذهب أعلى قمة تاريخية له في أغسطس عام 2011 عند حوالي 1908 دولار للأونصة مدفوعاً بزخم التيسير الكمي وخفض الفائدة على الدولار الأمريكي الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية إبان الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبالتالي وبحساب معدل العائد على الاستثمار من خلال الاستحواذ طويل الأجل (مع العلم أننا استبعدنا كما قلنا المضاربات اليومية في دراستنا) سنجد أنه عند 2955% أي بمتوسط سنوي وقدره حوالي 64%، وحتى لو أسقطنا متوسط العوائد السنوية لمعدلات العائد السنوية الذي يمثل تكلفة الفرصة البديلة لبعض الأدوات المالية فسيبقى العائد مجزياً، ولكن بكل بساطة فإنه بإمكاننا أن نغطي هذا الجانب وزيادة من خلال اللجوء إلى المضاربات القصيرة والمتوسطة الأجل على الذهب نفسه.
ما أريد أن أصل إليه هو أن المتداول في المعادن الثمينة لو انتهج أسلوب صحيح مع فهم واضح لعوامل التأثير الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة والطبيعة الاستثمارية الحقيقية للمعدن الأصفر فلن يكون مضطراً على الإطلاق أن يخرج من السوق خاسراً ولا حتى بصفقة واحدة، والمتداول الذي يظن أنه سيجد ضالته في عالم الاستثمار وخاصة في أسواق المال داخل المنتديات وغرف الدردشة سيكون خارج السوق وبخسارة أكيدة عاجلاً أم آجلاً مهما كانت طبيعة المنتج الذي يعمل به.