المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 10/6/2019
تتساقط البنوك المركزية تحت تأثير حجارة الدومينو. فهجر بنكان من أكبر البنوك المركزية حديثهما السابق عن الاحتياطي، والآن يتحدثان عن تخفيض معدل الفائدة، إما صراحة أو على استحياء، أي يعملان على سياسات نقدية أكثر تسهيلًا، بعد أن اتخذت بنوك كثيرة خطوات في هذا الطريق.
فلدينا رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، الذي استمر طويلًا في الحديث حول رفع البنك لمعدلات الفائدة في غضون أشهر من وقتنا الحالي، بيد أنه الأسبوع الماضي لم يؤجل تلك الفكرة مجددًا فقط، بل لم يستبعد احتمالية تخفيض معدلات الفائدة. وإضافة، قال دراغي في مؤتمره الصحفي بعد اجتماعه مع المجلس الحاكم في ليتوانيا، فيلنيوس، إن هناك عدد من صانعي السياسة يتحدثون حول استئناف برامج شراء الأصول، رغبة في إرجاع ما يعرف بـ "التسهيلات الكمية."
والتزم البنك المركزي الأوروبي بما قطع من تعهدات بشأن عمليات إعادة الطويلة الموجهة طويلة المدى، المعروفة بـ TLTROs،وهي طريقة تهدف إلى ضخ سيولة في النظام البنكي. واتسمت شروط البنك بالسخاء، لتضمن للبنوك كافة، خاصة في جنوب منطقة اليورو، إمكانية الاقتراض.
وتأتي خطى دراغي في معسكر الحمائم اتباعًا لجيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، فخرج باول الأربعاء الماضي متحدثًا عن استعداد الفيدرالي "لاتخاذ الإجراء المناسب،" في وجه التحديات والمخاطر المتولدة عن التوترات التجارية الممتدة، وكان من المفترض أن يكون حديث الأربعاء هذا مجرد مراجعة هادئة لبياناته السابقة. وأوّلت الأسواق كلمة "مناسبة" تأويلًا صحيحًا، فهي خفض لمعدل الفائدة، مما يشير إلى أن بأول ضاق بالصبر، وسيفعل ما يلزم لمواجهة ما تصب التعريفات من تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي.
وليتضح حجم المخاطرة التي تتربص بالسوق، جاءت بيانات سوق العمل يوم الجمعة، موضحة أنه لم يتم خلق سوى 75,000 وظيفة، أقل كثيرًا من الأرقام القوية المسجلة في الشهور الأخيرة، التي بلغت مئات الآلاف من الوظائف.
ويأتي تحويل باول ودراغي لمسار سياسة بنكيهما في ظل تحولات في بنوك أخرى منها: أستراليا، والهند، فهؤلاء خفضوا معدل الفائدة المعياري لهما الأسبوع الماضي، بعد شهر مايو الذي شهد تخفيض عدد كبير من بنوك الأسواق الناشئة لمعدل فائدتهم.
وبخروج بأول أولًا للحديث عن تخفيض الفائدة، لم يكن لحديث دراغي أثرًا عميقًا على اليورو، لأن المستثمرين يضعون في اعتبارهم تأثيرات تخفيض الفائدة الأمريكية، تلك هي الأهم، والأكثر تأثيرًا. كما يتفق أغلب المحللين أن تلك التخفيضات وشيكة، بالنظر إلى التأثيرات المباشرة لحرب التجارة على الاقتصاد الأمريكي. وإضافة لذلك، يتوفر للفيدرالي مساحة للمناورة. فيقف معدل فائدة الفيدرالي المعيارية عند 2.25-2.50، على العكس من معدل فائدة المركزي الأوروبي البالغ صفر.
في واقع الأمر، ارتفع اليورو بعد اجتماع المركزي الأوروبي، ليخترق حاجز 1.13، أمام الدولار.
ودلف المركزي الأوروبي لمنطقة سلبية بوصول معدل احتياطيات البنك نسبة -0.4%، ويمكن أن يحدث المثل لمعدل الفائدة. فاذا استأنف البنك نظام شراء الأصول، لكان ذلك أسهل. قال دراغي إن البنك المركزي الأوروبي مستعد "لاستخدام كل الأدوات التي بحوزته."
كما قال دراغي إن البنك لن يضع في اعتباره رفع معدل الفائدة حتى منتصف عام 2020، ليؤجل الميعاد ستة أشهر عن توقعاته السابقة. وعندما سُئل عن التحرك التالي لـ "المعدل،" ووجوب أن يكون رفعًا، ولكن أجاب بـ "لا."
وكمنت مفاجأة دراغي في أنه بدا راضيًا عن انتهاء فترة ولايته لرئاسة المركزي الأوروبي، والبنك يتجه ناحية سياسات التسهيل المالي مجددًا، بعد أن استمر على وضع الطيار الآلي، كما كبل يد من سيخلفه بتوجيهات مستقبلية تتعهد بعدم رفع معدل الفائدة حتى منتصف 2020.
ولا يبدو أن ما يفعله دراغي يحسن فرص، ينس فايدمان، رئيس البنك الاتحادي الألماني، هذا الصقر الذي لم يتورع أن يعارض صراحة عديد من سياسات دراغي. فإذا ما آل المنصب إلى فايدمان، سيعتبر هذا الامر تدمير للمسار الذي أعده دراغي. بينما لو كان الفرنسي فرنسوا فاليروي، هو خليفة دراغي، سيكون حينها الانتقال سلس، فهو يجري عدد من الاستقصاءات حول الخلافة.
وهناك عقبة أمام تولي فرنسي آخر المنصب، إذ تولى الفرنسي، جان كلود تريشيه، المنصب لثماني سنوات، بينما لم يتولاه أي ألماني. وتقف نفس العقبة في وجه، بينوا كورى، عضو اللجنة التنفيذية، ولكورى أسلوب محبب في أداء عمله، ولكن عقبة كونه فرنسي ليست الوحيدة، فتوليه المنصب يعني انتهاك القاعدة المتعارف عليها بعدم إعادة تعيين عضو تنفيذي للهيئة بعد انتهاء فترته.
وفي قائمة الخيارات يوجد اثنان من فنلندا، أولي ريهن، وإركي ليكانين، توليا رئاسة البنك المركزي على التوالي، ويأمل أن يتولا منصب دراغي كوسيلة للتسوية بين الفرنسيين والألمان. وتكمن المشكلة هناك في عملية توزيع الوظائف في الاتحاد، فلو تولت الدنماركية مارجريث فيستجارد رئاسة المفوضية الأوروبية، سيصعب على أحد من الدول الاسكندنافية تولي منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي. ولا يمكن أن ننسى حب الذات الفرنسي، وشعورهم بالاستحقاق فيما يتعلق بتولي أكبر مناصب الاتحاد.