تحليل تأثير سياسات ترامب الجمركية الحالية والمستقبلية على الدولار الأمريكي

تم النشر 06/03/2025, 16:57

شهدت فترة رئاسة دونالد ترامب تبنّي سياسات تجارية حمائية شملت فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من شركاء رئيسيين مثل الصين وكندا والمكسيك. أثارت هذه الخطوات ما عُرف بـ «الحرب التجارية»، وكان لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على قيمة الدولار الأمريكي في أسواق العملات. فيما يلي تحليل للجوانب المختلفة لهذه التأثيرات، مع التركيز على الطلب العالمي على الدولار، والتضخم والسياسة النقدية الأمريكية، وتشجيع الإنتاج المحلي، وردود فعل الدول الأخرى، وتوقعات المستثمرين بشأن مستقبل الدولار في ظل هذه السياسات.

زيادة الرسوم الجمركية والطلب على الدولار

تؤدي زيادة التعريفات الجمركية إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، مما يقلل إقبال المستهلكين الأمريكيين على شراء الواردات. نتيجةً لذلك، تنخفض كمية الدولارات التي يجري تحويلها إلى عملات أجنبية لشراء هذه السلع، ويبقى جزء أكبر من السيولة بالدولار داخل الاقتصاد الأمريكي. هذا الانخفاض في المعروض من الدولار عالميًا يعني ارتفاع الطلب النسبي عليه وتقوية قيمته. علاوة على ذلك، تُولّد التوترات التجارية حالة من عدم اليقين تدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الدولار الأمريكي. بالفعل، لوحظ أنه عند الإعلان عن رسوم جمركية جديدة، ارتفع الدولار مدفوعًا بتدفقات استثمارية باحثة عن الأمان. على سبيل المثال، أدت أنباء الرسوم إلى تراجع عملات مرتبطة بالتجارة الدولية (كالدولار الكندي والبيزو المكسيكي) مقابل الدولار بفعل مخاوف تباطؤ اقتصادات تلك الدول، بينما تعزز الدولار والين الياباني بوصفهما عملتين آمنتين. في المحصّلة، تعمل زيادة الرسوم الجمركية – خاصة في المدى القصير – على رفع الطلب العالمي على الدولار وتقوية سعره نتيجة تراجع الواردات وتصاعد حالة الحذر في الأسواق.

أثر السياسات الجمركية على التضخم وقرارات الاحتياطي الفيدرالي

تُمثّل التعريفات الجمركية ضريبةً على الواردات، وبالتالي فإن فرضها ينعكس بارتفاع أسعار المنتجات المستوردة داخل الولايات المتحدة. هذا التأثير يُولّد ضغوطًا تضخمية معتدلة؛ فقد قدّر باحثو بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن أن تعريفات عام 2018 رفعت معدل التضخم الأساسي (Core PCE) بنحو 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية. ارتفاع التضخم يدفع الاحتياطي الفيدرالي للنظر في تشديد السياسة النقدية للحفاظ على استقرار الأسعار. بمعنى آخر، قد يضطر الفيدرالي إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة أو زيادتها لتعويض أثر الرسوم على الأسعار. مثل هذه الخطوة تعزّز جاذبية الدولار عالميًا، إذ تؤدي الفائدة الأعلى إلى جذب المستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى على الأصول المقوّمة بالدولار، مما يدعم سعر صرفه. وقد أشارت تحليلات إلى أن تبني الفيدرالي موقفًا أقل تيسيرًا (أي أكثر ميلاً لرفع الفائدة) في ظل تضخم أعلى كان أحد عوامل استمرار قوة الدولار خلال فترة الحرب التجارية. في المقابل، لا بد من موازنة ذلك مع تأثير الرسوم على النمو: فالرسوم الجمركية المرتفعة تبطئ النمو الاقتصادي عبر رفع كلفة المدخلات وتقليص التجارة. إذا تباطأ الاقتصاد الأمريكي بشكل ملموس، قد يغيّر الفيدرالي مساره نحو خفض الفائدة لدعم النشاط الاقتصادي. وهذا السيناريو سيضعف الدولار لأنه يقلل ميزة العائد على أصوله. باختصار، واجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة التضخم مقابل النمو جراء سياسات ترامب التجارية، وكان لاتجاه قراراته أثر كبير على قيمة الدولار. حتى الآن، يبدو أن تأثير الرسوم رفع التضخم بدرجة محدودة، وأبقى الفيدرالي على ميل لسياسة نقدية مشددة نسبيًا مما دعم الدولار، لكن أي تدهور كبير في النمو قد يفرض تبدّلًا في هذه المعادلة ويؤثر سلبًا على قوة العملة الأمريكية.

تشجيع السياسات الجمركية لإعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة وتأثير ذلك على الدولار

استهدفت رسوم ترامب الجمركية تقليص اعتماد الولايات المتحدة على الواردات وتشجيع الشركات على إعادة توطين أنشطتها الإنتاجية داخل البلاد. هذه الاستراتيجية تُعرف بظاهرة الـ Reshoring (إعادة التصنيع للداخل)، وكانت ركنًا ثابتًا في سياسة ترامب التجارية. من الناحية النظرية، عندما تزيد تكاليف الاستيراد بفعل التعريفات، يصبح إنتاج السلع داخل الولايات المتحدة أكثر جاذبية نسبيًا. وقد ظهرت بوادر لتحقيق ذلك خلال ولاية ترامب: فعلى سبيل المثال، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة هيونداي الكورية بأن أفضل وسيلة لمواجهة الرسوم الأمريكية هي توسيع الاستثمار الصناعي داخل أمريكا – حيث قامت شركته ببناء مصنع سيارات جديد في ولاية جورجيا بقيمة 13 مليار دولار.

وبالمثل، أفادت تقارير بأن تهديدات ترامب التجارية دفعت شركات سيارات أوروبية مثل أودي وبورشه إلى دراسة إنشاء مصانع في الولايات المتحدة لتجنب الرسوم. كما أن الرسوم على الصلب حفّزت بعض منتجي الفولاذ الأمريكيين على زيادة الإنتاج ووفرت آلاف الوظائف الجديدة في هذا القطاع. انعكاس هذه التحولات على قوة الدولار يتمثل في تحسين الأسس الاقتصادية: فإعادة فتح مصانع وزيادة الإنتاج المحلي تعني انخفاض الاعتماد على الاستيراد وتحسّن الميزان التجاري الأمريكي (انخفاض العجز التجاري). ومع تقلص العجز التجاري، يخرج من الاقتصاد الأمريكي دولارات أقل لتمويل الواردات، مما يدعم سعر الدولار عالميًا. أضف إلى ذلك أن استثمار الشركات الأجنبية في إنشاء مصانع بالولايات المتحدة يجلب تدفقات رأسمالية إلى الداخل (على هيئة بناء مصانع وتوظيف عمالة)، وهذه التدفقات تتطلب شراء الدولار لضخها في الاقتصاد الأمريكي. لذا، فإن نجاح سياسات ترامب في إعادة جزء من الإنتاج إلى أمريكا من شأنه على المدى الطويل دعم قيمة الدولار عبر زيادة قوة الاقتصاد المحلي وجذب رؤوس الأموال. ومع ذلك، يجب الإقرار بأن عملية إعادة التوطين لم تكن شاملة؛ فقد اختارت بعض الشركات تحويل سلاسل توريدها إلى بلدان أخرى منخفضة التكلفة (مثل فيتنام والمكسيك) بدلًا من بناء قدرات إنتاجية جديدة داخل أمريكا. لكن بالمجمل، وفّرت الرسوم حافزًا قويًا للصناعة المحلية، وإذا استمر هذا التوجه فسيساهم في تعزيز القيمة الأساسية للدولار مدعومة بازدياد الإنتاج والصادرات الأمريكية.

ى النظام المالي العالمي.

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.