أحياناً يقوم أحد الأشخاص بتوجيه سؤال لك ويطلب منك إجابة محددة وتحاول قدر الإمكان التملص من تقديم إجابة مختصرة ولكنه يصر على مقاطعتك ويطالبك بإجابة واحدة أو بإختصار سيطلب منك أن تجيب (وبدون فلسفة) وعندها ستتورط وربما تمتنع عن الإجابة لأنه لا يوجد إجابة واحدة صحيحة على هذه النوعية من الأسئلة..
السؤال أعلاه يعتبر الأشهر تقريباً بعد السؤال المشهور (أيهما افضل التحليل الفني أم الأساسي).. ولذلك سأجيب (وبأكبر قدر ممكن من الفلسفة) عن هذا السؤال وسيكون الهدف بالتأكيد هو مساعدة المضارب في تحقيق الهدف الأهم وهو تحقيق أرباح وبشكل مستمر في السوق..
الشراء والإحتفاظ أو المضاربة السريعة:
حتى أساعدك على شرح هذه الفكرة (وهذه المقارنة) بين هاتين الإٍستيراتيجيتين في التداول قد يكون افضل شئ هو ذكر مميزات وعيوب كل واحدة من هذه الاستيراتيجيات على حدى ، وهي كالتالي:
الشراء والإحتفاظ: (المزايا)
إمكانية ركوب الموجات والإتجاه بالكامل: هذا هو أهم ما يميز هذه الإستيراتيجية وهي بالضبط ما تسمعه من أحاديث جانبية للمتداولين عندما يقومون بتحليل شارت سهم معين تحرك للأعلى لمسافة سعرية كبيرة وتسمعهم يقولون تخيل لو أنني قمت بالشراء هنا.. ويشير بإصبعه غالباً على آخر قاع واضح للسهم عند 7 ريالات ويكون سعر السعر الحالي ربما عند 44 ريالاً.. ليجيبه الشخص الآخر الذي بدأ في تخيل شراء السهم عند ذلك القاع والبيع عند آخر قمة (أوووه.. والله فٌلة) :)
المتابع لإستيراتيجية الشراء والإحتفاظ يحاول قدر الإمكان ملاحظة التغيرات في حركة السعر (من هابط لصاعد او صاعد لهابط) والدخول مبكراً قدر الإمكان قبل دخول العامة في السهم ومن ثم الإحتفاظ في السهم أطول فترة ممكنة خلال الدورة الحالية للإتجاه الجديد حتى تظهر عليه ملامح تغير للإتجاه أو توقف جانبي للسعر..
التقليل قدر الإمكان من رسوم التنفيذ: عندما تقوم بشراء سهم او عملة مقابل أخرى واستهداف 5 أو 10 ريال للسهم أو 400 - 500 نقطة في العملات في صفقة واحدة فأنت بالتأكيد دفعت رسوم أقل من غيرك من المضاربين النشطين الذين يقومون بتنفيذ صفقات كثيرة خلال اليوم الواحد.. وهذا كاف لحفظ اكبر لرأس المال مقارنة بتنفيذ صفقات كثيرة خلال الصعود والهبوط للأسعار.
عدم تشتيت الإنتباه بالحركات الداخلية للموجات: تحدثت في مقال سابق عن حقيقة أن الأسعار لا تسير في خط مستقيم.. ولذلك يقوم المضارب الذي يعتمد على فكرة الشراء والإحتفاظ بتجاهل الموجات الداخلية والحركات الجانبية للأسعار على طول الخط إلا في حال ظهور نموذج فني واضح يفيد بإحتمالية عكس السعر لمسيرته الحالية.. هذا بحد ذاته يعتبر ميزة رائعة لأصحاب النفس الطويل بدلاً من محاولة تفسير وإعطاء معنى لأي حركة جانبية في السوق.
الشراء والإحتفاظ (العيوب):
إمكانية خسارة الربح العائم الحالي: هذه بلا شك واحدة من اكبر عيوب هذه الإستيراتيجية ومن المستحيل أن لا تواجه هذه المسألة المضاربين طويلي الأجل عندما يقومون بالدخول في مناطق رائعة وتكون كل الأجواء مهيأة للسهم لتحقيق ارباح وأسعار ممتازة ثم تأتي غالباً أخبار سلبية تقوم بعكس حركة السوق ككل وضياع هذا الربح الذي لم يتم تسجيله كربح حقيقي بعد.. المضارب المعروف مارك دوغلاس قام بتسمية هذا النوع من أنواع الخوف الأربعة بإسم الخوف من ضياع الأرباح الموجودة أمامك على الطاولة.
المضارب الذي يقوم يتنفيذ صفقة ويتحرك السعر لصالحه يشعر بخوف ربما اكبر من المضارب الذي يقوم بتنفيذ صفقة ويعاكسه السعر مباشرة.. ففي الحالة الأولى يتسائل المضارب عن جدوى الإحتفاظ بالصفقة مفتوحة بعد أن أثبت السعر صحة تحليله وتوقعاته ويبدأ بالشعور بقلق وتوتر حقيقي من ضياع هذه الأرباح المحققة لحد اللحظة.. منطقياً ورياضياً ايضاً فإن المضارب الذي يستهدف مستويات بعيدة نسبياً يجب عليه تجهيز نفسه لهذا الكابوس اليومي من متابعة أرباحه العائمة التي لم يقم بتسجيلها بعد.. فهو من جهة يشعر بالسعادة أن تحليله صحيح والسعر موافقه على ذلك ومن جهة أخرى يخشى من المستقبل وما يخبأه له من انعكاس محتمل للسعر.. الحل الوحيد الذي يراه أمامه هو بإغلاق الصفقة وتسجيل هذه الأرباح ولكنه يعلم ايضاً أنه بقيامه بذلك سيخسر حتماً تحقيق أرباح افضل في حال استمر السعر في مسيرته الحالية.. ألم أخبرك بأن هذه الاستيراتيجية تحمل بين طياتها كابوس مرعب يعيشه المضارب طويل الأجل بشكل يومي.
ضياع فرص جديدة قد تكون واضحة للآخرين: المضارب طويل الأجل الذي يقوم بالشراء والإحتفاظ يخسر كثيراً من عدم متابعته للموجات الداخلية التي تتكون قبل وصول السعر للمستوى المستهدف الذي يعتقده هذا المضارب.. وهذا يعني ضياع فرص يومية في تنفيذ صفقات كثيرة قد تعود عليه بأرباح مجزية.
المضاربات السريعة اليومية (المزايا):
المضاربات السريعة تناسب جداً المتداولين الذين لا يرغبون بالشعور بالملل من مراقبة الأسعار بدون إتخاذ قرارات مضاربية طوال اليوم.. تحدثنا في مقالات سابقة عن مشكلة بقاء المتداول خارج السوق لفترة طويلة الأمر الذي قد يدفعه لتفعيل انصاف الفرص والندم عليها لاحقاً.
الأمر الآخر المهم للمضاربات السريعة هو الأرباح الرائعة التي قد يحصل عليها المتداول إذا كان يملك استيراتيجية مجربة اثبتث نجاحها عند قياس الصفقات الرابحة مقابل الصفقات الخاسرة.. بما أننا نتحدث عن صفقات يومية فبالتأكيد لن يكون المستويات المستهدفة عالية.. لذلك من المهم للمتداولين اصحاب الصفقات الكثيرة اليومية وجود استيراتيجية مجربة وعدد الصفقات الناجحة بها اكبر من عدد الصفقات الخاسرة حتى يستطيع هذا المتداول إنهاء تداولاته بربح صافي.
آخر هذه المزايا التي تناسب المتداول اليومي هو عدم تأثير الأخبار السلبية التي قد تصدر خارج اوقات التداول الرسمية على تداولاته لأنه يقوم بتسييل كل الصفقات بشكل يومي.
المضاربات السريعة اليومية (العيوب):
من اكبر العيوب للمتداول اليومي هو استحالة القدرة على ركوب موجات وترندات في حال استمر السعر في اتجاه واحد لفترة طويلة.. قد يرى المتداول الذي قام بإغلاق صفقة بعد تحقيق 20 هلله أن السعر استمر في الصعود لأربعة ريالات كاملة.. أو المضارب الذي قام بإغلاق صفقة بربح 20 نقطة أن السعر استمر بالصعود لـ 300 نقطة إضافية.
كما أن المتداول اليومي الذي استفاد من عدم التأثر بالأخبار السلبية التي تحدث خارج اوقات التداول الرسمية سيخسر ايضاً الإستفادة من الأخبار الإيجابية التي تصدر في نفس الوقت.. نشاهد على الدوام كيف أن بعض الأخبار تسبب صعود قوي بفجوات سعرية عالية ايجابية مع افتتاح الاسواق في اليوم التالي وهذا الأمر بالتأكيد لا يستطيع المتداول اليومي تحقيق فائدة منه.
الخاتمة:
كما لاحظت بنفسك في هذا المقال أنه لا يوجد طريقة واحدة تناسب كل ظروف وأخبار ومعطيات السوق على الدوام.. ما قد يناسب المتداول طويل الأجل قد لا يناسب المتداول اليومي والعكس صحيح.. ولكن ما تستطيع عمله هو الخلط بين الاستيراتيجيتين وعدم الإلتزام بواحدة فقط.
بالنسبة لي فإنني اقوم بتفعيل صفقات بمستويات مستهدفة بعيدة عن نقطة الدخول وفي أحيان أخرى أقوم بتنفيذ صفقات يومية بأهداف قريبة جداً.. المسألة ليست علم قائم بذاته أو إختيار طرف وتجاهل طرف آخر بل الأفضل الخلط بينهم دائماً بما يناسب تحركات السعر الحالية.
وأتمنى إني استطعت الإجابة على السؤال الذي عنونا به هذا المقال (بدون فلسفة).