اصبحت هموم الأسعار المرتفعة والخدمات العامة التي تدهورت وراتبه الذي لا يكفي احتياجاته وتراجع أرباح نشاطه التجاري تشغل المواطن العراقي يوميًا ،. ثم يتقلب بين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والأخبار ليتابع تصريحات وتحليلات معقدة عن حال البلاد ووضع الاقتصاد فلا يخرج إلا متحيرًا أو مخدوعًا راضيًا او مجبرا بما ملأ سمعه ولم يملأ فمه الصغير.
الحكم على تراجع الاقتصاد لا يكفيه النظر إلى مؤشر واحد فقط ، ولكن بمتابعة أكثر من مؤشر وعلامة، سنتعرف عليها حتى يمكننا الإجابة على السؤال: اين يتجه الاقتصاد العراقي ؟ وسيتم طرح بعض الافكار اوالحلول لمعالجتها :
1-الناتج المحلي الاجمالي :
يعتبر الناتج المحلي الاجمالي أهم مؤشر على حجم اقتصاد العراقي ومن ثم مقدار معدلات النمو أو الانكماش من عام لآخر، وهو يعبر عن القيمة المالية الإجمالية لجميع السلع والخدمات المنتجة محليًا خلال عام مالي؛ ويحسب بجمع القيم المضافة لما تم بيعه من سلع وخدمات محليًا. لكن لا تكفي قيمة المؤشر وحدها للحكم على تفوق دولة على أخرى، فنجد مثلًا في تصنيف البنك الدولي لعام 2014 تفوق مصر على فنلندا، أو العراق على قطر، ولهذا فإن المؤشر الأدق هو نسبة إجمالي الإنتاج المحلي إلى السكان .
وبالنظر للاقتصاد العرقي، فبينما كان يسجل الاقتصاد نموًا بمعدل 13.8% في عام 2016، انكمش إجمالي الإنتاج المحلي نتيجة التدهور الاقتصادي عام 2017 بنسبة 3.8-% حتى عام 2018 انكمش الناتج المحلي الإجمالي في العراق بنسبة 1% في المائة عام 2018 عن العام السابق 2017.
2-التضخم :
وهو أحد أسهل المؤشرات التي يمكن للمواطن العراقي رصدها من خلال متابعته لارتفاع أسعار السلع وتراجع قوته الشرائية. يعرف التضخم المالي بالاحتياج إلى إنفاق أموال أكثر لشراء نفس السلع بعد وقت من الزمن، وترجع الى العديد من الاسباب من اهمها خطأ في السياسة النقدية (متعمد في كثير من الأحيان) بضخ المصرف المركزي لنقود تتجاوز الغطاء المالي أو تزيد عن حجم السلع المتاحة في الأسواق واهمال المؤشرات الاخرى . ويمكن أن يسبب التضخم ارتفاع تكاليف الإنتاج أو تسارع النمو الاقتصادي وما يصحبه من ارتفاع الطلب على المعروض من السلع والخدمات. وبالنظر للاقتصاد العرقي فقد سجل معدل التضخم في العراق 1.10 % في فبراير 2020.
بينما سجل في عام 2019 ادنى مستوى عند 1.6-% .
3-البطالة:
كلمة «البطالة» وحدها كافية لتترك انطباعًا سيئًا لدى أي متابع للاقتصاد، وعموم الناس سيجدها علامة واضحة ومباشرة في أعداد العاطلين في أسرته وبين أصدقائه او عامة الناس على أن أحوال البلاد الاقتصادية متأخرة ولا يتأمل خير بعدها . لذلك تعد البطالة واحدة من اهم واخطر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية , لكن يرى البعض من الاقتصاديون أن البطالة يمكن أن تكون عارضًا طبيعيًا وأن لها نسبًا ومعدلات مقبولة لا تختفي حتى في أكثر الدول ازدهارًا، بينما تظهر مخاطر البطالة حينما تكون منتظمة وطويلة الأمد. يتمثل خطر البطالة على اقتصاد البلاد: في تراجع متوسط دخل الفرد وبالتالي عائد الدولة من الضرائب، وكذلك انخفاض معدلات الاستهلاك وما يتبعه من تراجع للاستثمار والنمو سواء لغياب الطلب، أو لخسارة السوق لمهارات العاطلين أو لارتفاع الضرائب التي تفرضها الدولة على الشركات لتعويض ضرائب الدخل. اما بالنسبة للعراق فقد بقي معدل البطالة دون تغيير عند 7.90٪ في 2019 من 7.90٪ في 2018 في حين كانت معدلات البطالة 8.1% بين 2015 و 2016.
4-الموازنة الحكومية:
تتعهد الحكومات سنويًا بتقديم ما يسمى بالموازنة العامة للدولة والتي تعتبر كخطة تبين المصروفات الحكومية المتوقعة والإيرادات التي ينتظر أن تمولها؛ وفي نهاية العام تقدم الحكومة تقرير الميزانية العامة للدولة والذي يوضح حقيقة ما جرى خلال السنة المالية وإلى أي مدى نجحت الحكومة في تغطية مصروفاتها. ويعرف الفارق بين المصروفات والإيرادات بعجز الميزانية. ومع تزايد الإنفاق الحكومية على الحرب ما بين 2014 الى 2018 وتراجع الإيرادات مع هروب الأفراد وقبلهم رؤوس الأموال وكثرة الفساد في البلاد، حيث وصلت مستويات عجز ميزانية الحكومة العراقية عند 14.3%- في سنة 2016 بينما كانت نسبة العجز 12.8%- في عام 2015 , لنما في عام 2019 تحسن بشكل تدريجي حيث انخفض مستوى العجز الى 0.9%- .
5-التصنيف الائتماني :
وكما يوجد تصنيف ائتماني للمستثمرين و الشركات ، فالدول كذلك تخضع لمثل هذه التصنيفات التي تقوم بها هيئات خاصة لتحدد مدى خطورة التي تمكن من إقراض وشراء ديون الحكومات. وتتطلع الدولة إلى تصنيف ائتماني جيد يجذب رأس المال الخارجي ويضخ السيولة للبلاد ويمول مشاريع التنمية. وتعتمد درجة التصنيف على قدرة الحكومات على السداد، وفرص تخلفها عن مواعيد دفعات فوائد الديون، بينما تعتمد هيئات التصنيف على تحليل مجموعة مؤشرات تدلل على أداء اقتصاد الدولة المصنفة. ان التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز للعراق يقف عند B- في عام 2015 مع نظرة مستقبلية مستقرة. بينما تم تصنيف موديز الائتماني للعراق آخر مرة في Caa1 في عام 2017 مع نظرة مستقبلية مستقرة. تم الإبلاغ عن تصنيف فيتش الائتماني للعراق آخر مرة في B- في عام 2017مع نظرة مستقرة . بشكل عام ، يتم استخدام التصنيف الائتماني من قبل صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد والمستثمرين الآخرين لقياس الجدارة الائتمانية للعراق وبالتالي يكون لها تأثير كبير على تكاليف الاقتراض في البلاد.
6-الدين القومي :
وتسمى ايضا الدين العام او (government debt) هو اجمالي الديون الحكومية المركزية لبلد ما المتراكمة عبر فترات من الزمن والتي تدفع عنها فائدة كبيرة نسبيا وتكون على شكل سندات دين على الحكومة وتضع الحكومات عادة حد اعلى لهذا الدين حسب ظروف البلد .لكن لا ينظر لتزايد الدين القومي دائمًا كمؤشر حاسم على تأخر النشاط الاقتصادي لدولة ما، والدليل على ذلك أن اقتصادًا جيد مثل الاقتصاد اليابان يحتل رأس قائمة البلدان من حيث الديون بنسبة تتجاوز 226% من إجمالي الإنتاج المحلي، ولكن الفارق بين اليابان والعراق التي تمتلك نسبة دَين قومي وصلت اعلى مستوى منذ 2010 الى 66% في عام 2014 ، هو ثقة الدائنين في قدرة البلاد على السداد، من واقع الثقة في الوضع السياسي وحجم الإنتاج المحلي ونشاط السوق، وتراجعت نسبة الديون تدريجيا حيث كانت في عام2017 الى 59.6% اما في عام 2018 وصل الى مستوى 48.4% .
الخلاصة
مر العراق بوضع مضطرب جداً فمنذ عام 2014 الحرب داعش التي دامت سنوات عديدة وبعدها ارتفعت اصوات المتظاهرين المطالبين بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد، وسط أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة ومعاناة بسبب النقص الواضح في القطاعات الأساسية على الرغم من الثروة النفطية الضخمة، لكن هناك تحسن واضح ولكن ببطء حسب البيانات التي ذكرت سابقا مقارنة بالبيانات السنوات السابقة نتأمل ونتوقع ان يتحسن الاقتصاد العراقي في السنوات القادمة ان شاء الله , اذا التزمت الحكومة بتوفير فرص عمل في القطاعات الاقتصادية المهمة في الاقتصاد سواء بالقطاع العام او الخاص ,وكذلك استخدام مبدأ العدالة في توزيع الثروات النفطية لأبناء الشعب وليس وفق المصالح الحزبية والاتفاقات السياسية. و التأكيد على تطوير القطاعات الاقتصادية الاخرى غير الاستخراجية ولاسيما تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة للنهوض بالقطاع المحلي.
(جميع البيانات من موقع trading Economics)
مهند رشيد الماجدي / طالب دراسات عليا - ماجستير علوم مالية ومصرفية