للدكتور مصطفى محمود، رحمه الله، مقولة جميلة مُفادها: " لا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل"
وهي تشير إلى أولئك الذين لا ينفكون يقعون في نفس الخطأ مرارًا وتكرارًا نتيجة أنهم يحلمون بالوصول إلى شيء ما دون دراسة معمقة له. لكن السؤال هو: لماذا يفعل هؤلاء ذلك؟
هل هي رغبة منهم بإضاعة وقتهم وجهدهم وأموالهم هباء؟ أم أن هناك سببًا نفسيًا خفيًا يدفعهم لخوض التجارب السابقة الفاشلة ذاتها؟
.في واقع الحال الأمر لا يتعلق بسبب واحد، وإنما بخمسة أسباب، وبالطبع، الكلام هنا يدور عن المضاربين في أسواق المال، وإن كان بإمكان هذا الكلام الذي ستقرؤونه أن يفسر الكثير من تصرفات البشر عمومًا
السبب الأول هو الجهل أو ضحالة المعرفة، وهنا من الضرورة بمكان أن نعلم أن هنالك أربعة علوم مهمة يتحتم على المضارب الإلمام بها إذا ما أراد أم يكون ناجحًا، وهي (علم النفس – كفاءة السوق – إدارة المخاطر – التحليل الفني/المالي)، وغالبًا إذا ما خسر المضارب في البورصة نتيجة عدم إلمامه .بهذه العلوم فهو سيعود مرّة أخرى بعد أن يتعلم.
السبب الثاني هو عدم مرونة الأهداف، بمعنى أنه عندما يضع الشخص أهدافًا محددة ويفشل في تحقيقها ففي الغالب سيعيد هذا الشخص الكرّة، ومن الأمثلة على ذلك إصرار البعض على أن البيتكوين لابد سيلامس عتبة 100 ألف دولار، أو أن الدواجونز يجب أن يصل إلى 40 ألف دولار، وهكذا...
السبب الثالث هو الرغبة بالانتقام من السوق، فعندما يخسر المضارب تتملكه الرغبة بتعويض خسارته حتى "ينتقم" من السوق الذي تسبب بخسارته أول مرّة، فتراه يعاود الكرّة سعيًا وراء الانتقام، ويدخل في حالة معاندة السوق، وكأن هذا الأخير "شخص" وليس مجرد مجموعة من الأرقام والحسابات!
السبب الرابع هو اللوم وجلد الذات، فهناك هذا النوع الذي يستدين من معارفه حتى يدخل السوق مرة ثانية بعدما يكون قد خسر أمواله الشخصية في المرّة الأولى، ثم يعيد تكرار ذات التجربة بحذافيرها، فيخسر من جديد، وعلى إثر هذا يلقي الدائنون باللوم عليه مؤكدين له أنه هو السبب وراء هذه الخسارة، وهذا النوع يعاني من أزمة نفسية تتسبب له ولمن حوله بالأذى وبالتالي هي تتطلب العلاج.
أما السبب الخامس والأخير فهو الإدمان، وفي هذه الحالة يصبح الشخص غير قادر على الابتعاد عن عالم البورصة الافتراضي، وتتملكه رغبة عارمة بالاستمرار أيًا يكن الثمن، وغالبًا ما يكون هذا الإدمان نابع من مشاكل نفسية ذات جذور مادية، كإسقاطات الأهل السلبية على سبيل المثال لا الحصر، وهذا أيضأ يتطلب بدوره علاجًا نفسيًا.