بلغت أزمة الغاز في أوروبا وآسيا مستويات خطرة على اقتصادات الدول، لتصل إلى المستوى الأحمر من أمن الطاقة، فقد تعدى الأمر مشكلة تذبذب في الإمدادات إلى كون أزمة نقص إمدادات الغاز مشكلة هيكلية، أحد أسبابها نقص الاستثمارات من المنبع الى المستخدم النهائي، بعيدا عن التأثير الواضح للطلب على الغاز على سوق النفط وارتفاع أسعار كل من النفط والغاز تزايدت الأثار السلبية لهذه الأزمة لتصيب الاقتصادات في قطاعين اساسيين على الأقل.
صناعة الكهرباء تأثرت بشدة بنقص الإمدادات في الغاز سواء في أوروبا أو في آسيا، ففي بريطانيا ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 250% منذ يناير/كانون الثاني الماضي، بسبب انخفاض مستوى التخزين، نتيجة سحب كميات كبيرة منه لتجنّب برودة الشتاء الماضي القارسة، إضافة إلى ارتفاع الطلب على الطاقة من آسيا، وتراجع معدلات هبوب الرياح مما ادى الى تراجع الكهرباء المولدة من الرياح، ومنذ مطلع أغسطس/آب الماضي فقط، أعلنت 14 شركة إفلاسها بسبب ارتفاع سعر الغاز، وعدم القدرة على تمرير كل التكلفة الإضافية إلى عملائها.
أفلست 16 شركة من مزودي الغاز والكهرباء في بريطانيا وحدها في الوقت الحالي، وفي ظل المؤشرات الحالية حول إمدادات الغاز يبدو أن ضحايا هذه الأزمة من الشركات سيتزايد خاصة ونحن مقبلون على فصل الشتاء، ويظهر تأثيرها على القطاع المالي سواء في مواقف الدول من التساهل مع استمرار إفلاس الشركات في قطاع إنتاج الكهرباء وتوزيع الغاز أم أنها تقر إجراءات استباقية لحماية هذه الشركات، من جهة أخرى فإن تأثر القطاع المالي بهذه الاضطرابات سيظهر في إعادة تقييم مخاطر الائتمان وكذا سعر الفائدة طويل الأجل، في الوقت الذي تراجع فيه الكثير من الدول المتقدمة سياساتها النقدية.
القطاع الثاني الذي سيتأثر بأزمة الغاز الحالية وارتفاع اسعاره هو الالتزامات التي قطعتها الكثير من الدول في وقت سابق بشأن تقليل اعتمادها على مصادر الوقود الأحفوري خاصة النفط والفحم الحجري، حيث تحولت العديد من الدول إلى الفحم الحجري لانخفاض تكلفته بغرض إنتاج الكهرباء ويظهر أن هذه السلعة ايضا عرفت ارتفاعا في أسعارها وهناك صعوبات في الإمدادات.
ويمكن القول بأن تبعات هذه الارتفاعات ستستمر في المستقبل وكل هذا يجعل من سوق الطاقة سوق على درجة عالية من التذبذب، كما أن الاهتمام بالنفط في الوقت الحالي يجعله السلعة الأكثر موثوقية من حيث الوفرة للمستهلكين من جهة والأقل تلوثا من جهة أخرى كما أنه السلعة الأكثر جذبا للاهتمام المستثمرين والمضاربين.
كل هذا يدعم القول بأن أسعار النفط في طريقها إلى تجاوز عتبة 100 دولار قبل نهاية سنة 2021.