المحتويات:
- مقدّمة وحقائق التضخّم
- كشف المشكلة التي لا يعلمها الكثيرون
- البنوك المركزية فشلت بالسيطرة على التضخّم
- مستقبل الاقتصاد العالمي
- ماذا يجب أن نفعل؟
احذر! البنوك المركزية ستتعمّد إضعاف الاقتصاد العالمي، هذا أمر أصبح لا مفرّ منه حتى لا يخرج التضخّم العالمي عن السيطرة. فعديد من البنوك المركزية رفعت الفوائد بشكل هائل خلال الفترة الماضية، والتي كان منها الاحتياطي الفيدرالي وكذلك البنك المركزي الأوروبي إلى جانب بنك إنجلترا المركزي والبنك الوطني السويسري.
وبدأت معدّلات التضخّم العالمي بالارتفاع ليس فقط بفعل التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية، بل بدأت المعدّلات بالارتفاع منذ عام 2021. في أوروبا، خرج التضخّم عن السيطرة شهر أغسطس عام 2021، مسجّلاً 3.4% واستمرّ بالارتفاع.
أما في بريطانيا، ارتفع التضخّم إلى 3.2%، وهي قيمة تعني الخروج عن السيطرة، شهر أغسطس 2021. أما في الولايات المتحدّة، فقد ارتفع مؤشر التضخّم إلى 3.1% شهر أبريل عام 2021.
ملاحظة: في منطقة اليورو وبريطانيا يتم استخدام مؤشر أسعار المستهلكين لقياس التضخّم، أما في أميركا يعتمد الفيدرالي مؤشر سعر إنفاق الاستهلاك الشخصي الأساسي (Core PCE).
نلاحظ بالتالي أن معدّلات التضخّم العالمية لم ترتفع فقط بسبب التوتّرات الروسية الأوكرانية، بل بفعل سياسات الحكومات والبنوك المركزية أثناء وما بعد جائحة كورونا، عندما خفّضت البنوك المركزية الفائدة وضخّت تريليونات من الدولارات في الاقتصاد العالمي، كما قدّمت حكومات الدول العظمى سياسات مالية تحفيزية للاقتصاد، ما أدّى لبدء ارتفاع التضخّم بشكل كبير.
خلال الربع الأوّل من عام 2022، مع بدء التوتّرات الروسية الأوكرانية، تسارع ارتفاع التضخّم بشكل كبير، مرافقاً لارتفاع هائل بأسعار الغذاء والطاقة.
لكن، حتى عندما بدأت أسعار السلع التي تشمل الغذاء والطاقة بالانخفاض، بقي التضخّم مرتفعاً.
بالتالي، نرى بأن العالم يعاني حالياً من أزمة تضخميّة تهدد أركان الاقتصاد العالمي، وتشابه نوعاً ما أزمات الاقتصاد سبعينات وثمانينيات القرن الماضي.
ليست هذه المشكلة! فالمشكلة أعمق بكثير!
بدأت معدلات التضخّم بالانخفاض بحسب مؤشر أسعار المستهلكين في أغلب الدول في العالم، وهنا سنستمر بدراسة الاقتصاد الأمريكي والبريطاني واقتصاد منطقة اليورو لفهم ما يحصل بالاقتصاد العالمي.
في أميركا، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين من 9.1% إلى 4% في آخر قراءة صدرت. وفي بريطانيا، تراجع مؤشر أسعار المستهلكين من 11.1% إلى 8.7%. أما في منطقة اليورو، تراجع التضخّم بحسب مؤشر أسعار المستهلكين من 10.6% إلى 6.1%.
لكن، لاحظت البنوك المركزية، كما لاحظ محللو الأسواق والخبراء في وندسور بروكرز أن التضخّم في القيمة الأساسية لم ينخفض!
وصل التضخّم بالقيمة الأساسية (Core) في بريطانيا إلى 7.1%، وهي أعلى قيمة للتضخّم منذ عام 1992.
في منطقة اليورو، يبلغ التضخّم في القيمة الأساسية 5.3%، ورغم انخفاضه عن الأعلى 5.7% شهر مارس 2023، لكن كما نلاحظ بأن التضخّم الأساسي ما زال مرتفعاً للغاية.
في أميركا، وبما أن الفيدرالي يستخدم مؤشر Core PCE، نلاحظ بأن التضخّم يبلغ 4.7%، وهو قريب من أعلى قيمة تاريخية له سجّلت شهر سبتمبر وشهر يناير العام الماضي 2022 عند 5.2% تقريباً.
ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني بأن التضخّم بدأ عام 2021 بأن يكون تضخّماً أصيلاً، أي أنه بسبب زيادة في الطلب لا يقابلها زيادة في الإنتاج، ثم تحوّل إلى تضخّم مستورد خلال النصف الأوّل من عام 2022، عندما كان سبب ارتفاع التضخّم هو ارتفاع السلع المستوردة مثل الغذاء والطاقة، لكن بعدها تأصّل التضخّم في الاقتصاد، وعاد ليصبح أصيلاً ناتج عن زيادة الطلب بما لا يوازي زيادة الإنتاج.
والتضخّم ذو النوع "الأصيل" الذي يعاني منه العالم حالياً، يرافق حقيقة أنه تضخّم مرتفع جداً يجب أن يتم إيجاد علاج له.
منذ مطلع 2022، البنوك المركزية لم تسيطر على التضخّم
بدأ بنك إنجلترا المركزي رفع الفائدة شهر ديسمبر 2021، واستمر ذلك حتى يومنا هذا. ورفع بنك إنجلترا الفائدة من 0.25%، وغداً الخميس لو رفع الفائدة 25 نقطة أساس كما هو متوقّع، سيكون البنك قد رفع الفائدة 450 نقطة أساس إلى 4.75%.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدأ رفع الفائدة من مستويات الصفر لتصل إلى نطاق 5.00%-5.25%، هذا يعني رفع الفائدة 500 نقطة أساس.
أما المركزي الأوروبي، فقد رفع الفائدة من مستوى الصفر إلى 4.00%، أي بزيادة 400 نقطة أساس.
حتى أن البنك الوطني السويسري الذي لم يتوقّع أحد أنّه سيشارك بسياسات التشديد النقدي عام 2022، رفع الفائدة من مستوى السالب عند -0.75%، وغداً الخميس إن رفع الفائدة كما هو متوقّع 25 أساس، ستصل الفائدة إلى 1.75%،ـ أي بزيادة كليّة مقدارها 250 نقطة أساس منذ بدء دورة التشديد النقدي.
نلاحظ أن كبرى البنوك المركزية في العالم رفع الفائدة بشكل جنوني، لكن التضخّم لم ينخفض، بل وتحوّل إلى تضخّم أصيل مرتفع جداً فوق أهداف البنوك المركزية.
لذلك، قد لا يكون هنالك حل إلا من خلال الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة، بل ورفعها أكثر الفترة المقبلة.
مستقبل الفوائد والاقتصاد العالمي
بحسب مجموعة CME التي تقيس توقّعات الأسواق للفوائد الفيدرالية، من المحتمل أن يتم رفع الفائدة الشهر المقبل يوليو بمقدار 25 نقطة أساس في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
كذلك، هنالك إشارات واضحة من أعضاء البنك المركزي الأوروبي أن مزيداً من التشديد النقدي سيكون مطلوباً.
أما البريطاني، فبنك إنجلترا في موقف لا يحسد عليه مع معدّلات تضخّم أساسية هي الأعلى منذ 1992، وعلى ذلك ربما سيكون مجبراً على رفع الفائدة.
دخل اقتصاد منطقة اليورو في ركود اقتصادي رسمياً بعدما انكمش الربع الأوّل من هذه السنة 2023 وكذلك الربع الرابع من العام الماضي 2022 بنسبة بلغت -0.1% لكل منهما. أما اقتصاد بريطانيا، بالكاد تجنّب الركود عام 2022، ويشهد نموّاً ضعيفاً جداً بما لا يتعدّى 0.1% الربعين الأوّل 2023 والرابع من 2022.
بالنسبة للولايات المتحدّة، فقد انخفض النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.3% الربع الأوّل من هذه السنة 2023، وهي أدنى قيمة بعد الانكماش الذي حصل الربع الثاني 2022.
على الأقل، 26 دولة في العالم انكمش اقتصادها في آخر بيانات ربع سنوية متاحة، شمل ذلك منطقة اليورو ونيوزلندا وسنغافورة، وأيضاً تايوان وأوغندا وكذلك روسيا وإندونيسيا والسعودية والأرجنتين وغيرها الكثير.
في العادة، عندما ينكمش الاقتصاد، يكون على البنوك المركزية أن تقوم بخفض الفائدة وتقدّم سياسات تحفيزية. لكن هذه المرّة، يبدو أن الموضوع مختلف جداً، فالبنوك المركزية أصبحت راغبة في دفع الاقتصاد إلى ما أطلق عليه "Soft Landing" أو "الهبوط الناعم"، أي أنها ستسمح للاقتصاد بالانزلاق والتباطؤ بشكل طفيف.
لكن، هل حقّاً سوف يكون هبوطاً ناعماً؟ علّمنا التاريخ أن بقاء معدّلات الفائدة المرتفعة لفترة زمنية طويلة يتسبب في انفجار فقاعات اقتصادية، والأخيرة تدخل الاقتصاد في ركود عميق. هذا ما حصل عام 2007 عندما انفجرت فقاعة الإسكان تبعها فقاعة الرهن العقاري، وبعدها الأزمة المالية العالمية.
كما حصل ذلك في فقاعة التكنولوجيا عام 2001 عندما انفجرت بعد رفع الفائدة بشكل عنيف قبلها بسنوات.
فهل سيختلف الأمر هذه المرّة؟ هنالك شكوك في ذلك، فالقطاعات المصرفية بدأت تشعر بالخطر فعلياً من تعثّر السداد، فهل هذه ستكون الفقاعة؟
في الحقيقة من الصعب أن نجزم أين هي الفقاعة تحديداً، لكن ما هو ظاهر حالياً هو أن الاقتصاد العالمي متوجّه لفترة عصيبة من ناحية النمو الاقتصادي، يرافقها أيضاً فترة صعبة جداً من ارتفاع التضخّم والأسعار.
ضعف اقتصادي وارتفاع بالأسعار، أي حال هو أسوأ على المستهلكين من هذا!
ماذا يجب أن نفعل؟
يرى قسم الدراسات في وندسور بروكرز – الأردن بأن الحل الشخصي يكمن في رفع الذكاء المالي، فالذكاء المالي حالياً هو السبيل لتجنّب الأزمة أو على الأقل تخفيف أُثرها.
أركان الذكاء المالي الأساسيّة هي ثلاثة أركان:
· ترشيد الاستهلاك
· الادخار
· الاستثمار
بداية، يجب على كل شخص فينا أن يبدأ بترشيد الاستهلاك من خلال خفض الإنفاق على السلع غير الأساسية، بل وإن أمكن إلغاء كامل المصاريف على السلع غير الأساسية. هذا يشمل أيضاً القروض التي تهدف لشراء حاجيّات غير أساسية، أو القروض التي يتم فيها استهداف شراء سلع لا تتناسب مع المستوى المعيشي، مثلاً السيارات والمنازل الفارهة.
النقطة الثانية هي ادخار الأموال التي تم توفيرها من خلال خفض الاستهلاك، فالادخار بحد ذاته يعتبر نوعاً من أنواع الاستثمار، وهنالك حسابات ادخار تناسب جميع الحاجات في القطاعات المصرفية العربية، تشمل الفوائد المصرفية العادية وكذلك أنظمة المرابحة. ومع رفع الفوائد في عديد من بنوك الوطن العربي المركزية، أصبح العائد المتحقق أعلى مما كان سابقاً.
أما الاستثمار، فله عدّة أساليب، قد تكون الاستثمار بالذات من خلال تطوير المهارات، أو إيجاد استثمارات عينية، أو حتى إيجاد مصادر دخل إضافية.
مهما كان الاستثمار قليلاً، فقد يكون عاملاً مسانداً في الظروف الاقتصاديّة الحالية، التي حتى لو بدت جيّدة حيناً، فسنراها سيئة حيناً آخر.
ترشيد الاستهلاك والادخار والاستثمار، هو الذكاء المالي، ودون ذكاء مالي، هنا قد يلاحظ المجتمع أن الظروف المعيشية تسير من سيء إلى أسوأ، بلا أي رجعة!