يشير مصطلح "البترودولار" إلى قيمة النفط المشتري بالدولار الأميركي. وقد نشأ هذا المفهوم في أوائل السبعينيات عندما أبرمت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة اتفاقًا يتضمن تسعير صادرات النفط السعودي حصريًا بالدولار الأمريكي. وقد كان لهذا الترتيب تأثيرات كبيرة على الاقتصاد والسياسة العالمية.
وقد أدى هذا النظام إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي عالميًا, حيث ألتزمت الدول المصدرة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية ببيع النفط فقط بالدولار مما أجبر الدول الأخرى التي تحتاج إلى النفط على الحصول على الدولار الأمريكي لإتمام المعاملات. هذا الطلب المستمر عزز قيمة الدولار في الأسواق العالمية.
ودفع هذا النظام إلى زيادة استخدام الدولار على نطاق واسع, حيث أن النفط يُعتبر سلعة استراتيجية تُستخدم في جميع أنحاء العالم، مما يعني أن الحاجة إلى الدولار لشراء النفط تدفع الدول إلى الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة من الدولار. وهذا يشمل البنوك المركزية والشركات الكبرى التي تعتمد على استيراد النفط لتلبية احتياجاتها.
وبسبب زيادة الطلب والاستخدام المستمر للدولارأدى ذلك إلى استقرار قيمته. عندما يكون هناك طلب كبير وثابت على عملة معينة، تقل تقلبات سعرها، مما يجعلها عملة مستقرة وموثوقة للتجارة الدولية. هذا الاستقرار يُعزز من مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم.
لماذا العالم يراقب الآن؟
أحدثت التطورات الجيوسياسية الأخيرة وتغيرات في التحالفات العالمية نقاشاً حول دور المملكة العربية السعودية في نظام البترودولار. ظهور اقتصادات رئيسية أخرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، كلاعبين مهمين في أسواق النفط العالمية وهناك محاولات جادة وناجحة لتسعير النفط بعملات هذه الدول.
حيث يسعى تكتل "بريكس" لإطلاق نظام اقتصادي عالمي جديد، وقد طُرحت فكرة تقييم النفط بعملات غير الدولار. وهذه الفكرة ليست مجرد دراسة على الورق بل تعتمد على شواهد واقعية ملموسة. ففي أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا وتوالي العقوبات الاقتصادية من أمريكا والغرب، أعلنت روسيا أنها ستبيع نفطها بالروبل وفق شروط معينة. وبالفعل، تمت صفقة في مارس/آذار 2023 لبيع النفط من روسيا إلى الهند بالدفع بالروبل الروسي. كما شهد نفس الشهر إعلان السعودية عن عزمها دراسة تصدير جزء من نفطها للصين باليوان.
وقد اتخذت الإمارات العربية المتحدة الخطوة الأولى في هذا المجال بتسعير الغاز باليوان الصيني. فقد أعلنت بورصة شنغهاي العام الماضي تسعير شحنة غاز إماراتية بالعملة الصينية. ولم تعلن الإمارات على الفور ما إذا كانت ستستمر في تسعير جزء من صادراتها من الغاز المسال باليوان في بورصة شنغهاي أم أن الأمر مجرد جس نبض لردود فعل الأسواق العالمية تجاه هذه الخطوة.
تتمثل الفوائد بالنسبة للإمارات في تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. هذه الخطوة تُعزز من العلاقات الاقتصادية مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما يفتح المجال لمزيد من التعاون والاستثمارات المشتركة. كما أنها تمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق مرونة أكبر في التعاملات المالية والتجارية الدولية.
أما بالنسبة للصين، هذه الخطوة تُعزز من مكانة اليوان كعملة دولية، مما يُساهم في تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة العالمية. من خلال تسعير النفط والغاز باليوان، تتمكن الصين من تأمين إمدادات الطاقة بعملتها المحلية، مما يقلل من تكاليف تحويل العملة ويساعد في تعزيز الاستقرار المالي الداخلي.
النقطة المهمة جداً هي الدفع العالمي نحو الطاقة المتجددة والانخفاض المحتمل في الطلب على النفط، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على ديناميكيات نظام البترودولار. مع سعي العالم للتحول إلى مصادر طاقة أكثر نظافة واستدامة، قد تتراجع أهمية النفط وبالتالي تقل أهمية البترودولار في الاقتصاد العالمي.
ولا ننسى أن المشهد السياسي المتغير، بما في ذلك تغييرات في السياسات الخارجية الأمريكية وتعزيز علاقات السعودية مع قوى عالمية أخرى، قد يؤدي إلى إعادة تقييم ترتيب البترودولار. هذه التحولات السياسية قد تدفع السعودية والدول الأخرى إلى التفكير في استخدام عملات بديلة في تجارة النفط.
ونقطة أخيرة, تسعى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى تنويع اقتصادهما بعيدًا عن الاعتماد على النفط لتحقيق استدامة اقتصادية طويلة الأجل وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار النفط العالمية.
حيث تهدف السعودية من خلال "رؤية 2030" إلى تنويع مصادر دخلها وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة مثل السياحة، والترفيه، والصناعة، والتكنولوجيا، والتعليم. حيث يهدف هذا البرنامج إلى خلق فرص عمل جديدة، جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام.
تركز الإمارات على تطوير قطاعات مثل السياحة، والطيران، والتجارة، والتمويل، والتكنولوجيا، العقارات، التعليم، والطاقة المتجددة. فمن خلال هذه الرؤية، تسعى الإمارات إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي لمختلف المجالات والتي نجحت فيه إلى حد كبير حتى يومنا هذا، وتقليل اعتمادها على النفط كجزء رئيسي من اقتصادها.
باختصار، يراقب العالم عن كثب السعودية وحلفائها لأن أي تغييرات في نهجها تجاه تجارة النفط وتفضيل العملات يمكن أن يكون لها تأثيرات واسعة النطاق على الأسواق المالية العالمية، قوة الدولار الأمريكي، والعلاقات الاقتصادية الدولية.