في عالم يتغير فيه كل شيء بسرعة الضوء، يبدو أن ترامب قرر إعادة الدولار الكندي إلى الماضي، وكأنه يريد إعادته إلى أيام مسلسل "فريندز". فقد دفعت سياساته التجارية الدولار الكندي إلى التراجع لأكثر من 1.47 لكل دولار أمريكي، في محاولة لإعادته إلى مستوياته عام 2003، وكأن الاقتصاد الكندي يخوض مغامرة زمنية غير مرغوبة.
ترامب يُعلن الحرب الجمركية!
لم يكن الكنديون يتوقعون أن يصبحوا أعداءً اقتصاديين للولايات المتحدة، لكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لم يدّخر جهداً ليذكرهم بذلك، بفرض 25٪ رسوماً جمركية على الواردات الكندية لأنه ببساطة يرى أن هذه الخطوة التي يراها جبّارة ستوقف الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات! يبدو أننا كنا نعيش في وهم أن الحدود الكندية الأمريكية هي واحدة من أكثر الحدود أمناً في العالم، بينما الحقيقة – وفقاً لترامب – أن البضائع الكندية كانت تشكل تهديدًا يفوق أفلام "ناركوس".
لكن لا تقلقوا، هناك أخبار "جيدة"… فقد تم تخفيض الرسوم على صادرات الطاقة الكندية إلى 10٪ فقط، أي أن كندا لم تحصل على العقوبة القصوى، وإنما مجرد "إنذار نهائي". أشبه بالمعلم الذي يخفض العقوبة على الطالب المشاغب لأن والده عضو في لجنة أولياء الأمور!
العالم يرد بالمثل… أو بالأقسى!
وبالطبع، لم تسكت المكسيك والصين طويلاً، وقررتا فرض رسوم انتقامية على الواردات الأمريكية، ما يخلق حرباً تجارية من الطراز الرفيع. لن نتفاجأ إذا وجدنا قريباً شحنات من اللحم المقدد الكندي تُهرَّب عبر الحدود كما لو كانت عملة مشفرة ممنوعة.
بنك كندا المركزي يطفئ الحرائق بماء بارد!
وفي ظل هذا الجنون الاقتصادي، قرر بنك كندا المركزي التدخل عبر خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0٪، في محاولة أشبه بمن يحاول إطفاء حريق غابة بكوب ماء. البنك أيضًا قرر إنهاء برنامج التشديد الكمي واستئناف شراء الأصول في مارس، وكأن الحل لكل الأزمات يكمن في إعادة طباعة النقود… إذا كان الحل بهذه البساطة، فلماذا لا نطبع مليون دولار لكل مواطن وننهي الأزمة الاقتصادية إلى الأبد؟
التشديد الكمي هو سياسة نقدية يستخدمها البنك المركزي لتقليل كمية الأموال المتداولة في الاقتصاد، عبر بيع السندات الحكومية وتقليل حجم ميزانيته العمومية. الهدف من هذه السياسة هو رفع تكاليف الاقتراض، مما يقلل التضخم، لكنه يؤدي أيضًا إلى تهدئة النشاط الاقتصادي، خاصة في أسواق الأسهم والعقارات.
أما شراء الأصول، فهو العكس تمامًا! عندما يبدأ البنك المركزي في شراء السندات الحكومية والأصول المالية، فإنه يضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد، ما يؤدي إلى تخفيض أسعار الفائدة وجعل الاقتراض أرخص، وبالتالي تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي.
لذلك,قررت كندا إنهاء التشديد الكمي واستئناف شراء الأصول لمواجهة تباطؤ الاقتصاد بعد سلسلة من رفع الفوائد التي أثقلت كاهل الشركات والمستهلكين، مما أدى إلى تراجع النمو وارتفاع تكاليف المعيشة. تسعى الحكومة إلى تحفيز الأسواق المالية وضخ السيولة لإنعاش العقارات والبورصة، خاصة مع الضغوط الأمريكية المتزايدة. ورغم أن هذه الخطوة قد تمنح الاقتصاد دفعة مؤقتة، إلا أنها تحمل مخاطر زيادة الديون وعودة التضخم، مما يضع كندا أمام معضلة الاختيار بين الركود والتضخم.
هل هذا يعني انهيار العملة الكندية؟
نظريًا هناك أحتمال، لكن ليس بالضرورة بشكل فوري أو حتمي. استئناف شراء الأصول يعني ضخ المزيد من الأموال في السوق، مما قد يضعف الدولار الكندي بسبب زيادة المعروض النقدي. ومع ارتفاع التضخم وانخفاض معدلات الفائدة، يصبح الدولار الكندي أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة بعملات ذات عوائد أعلى، مثل الدولار الأمريكي.
لكن انهيار العملة يتطلب مزيجًا من عدة عوامل خطيرة، مثل تراجع ثقة الأسواق، هروب رؤوس الأموال، وتدهور الاقتصاد بشكل كبير دون استجابة حكومية فعالة. حتى الآن، كندا لا تزال تمتلك نظامًا مصرفيًا قويًا واحتياطات نقدية جيدة، لكن استمرار هذه السياسة دون ضوابط قد يؤدي إلى تآكل قيمة العملة تدريجيًا، وربما إلى أزمة ثقة تسرّع الانهيار.