أدى انخفاض أسعار السلع وخطر الانكماش إلى دفع البنوك المركزية لتغيير موقفها النقدي. وقد شهدنا يوم الأمس ثلاثة بنوك المركزية - بنك إنجلترا وبنك كندا وربما البنك المركزي الأوروبي – يخفضان موقفهما النقدي ويتحركان نحو سياسة التيسير النقدي. وتؤثر نفس هذه العوامل على البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، وبناء على ذلك فإننا يمكن أن نتوقع (أو على الأقل التكهن بشأن) اتخاذ خطوات مماثلة من جانب بنوك مركزية أخرى في الأسابيع المقبلة. وحيث إن هذه السياسات أكثر تيسيرية، والتي تم تبنيها لأسباب داخلية، ذات آثار خارجية غير مباشرة، يمكننا أن نتوقع استئناف "حروب العملات" التي كانت موضوعا جرت مناقشته كثيرا في سوق الفوركس قبل أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الحديث عن "خفض" برنامجه لشراء السندات في شهر مايو 2013.
بدأ اليوم مع تراجع بنك إنجلترا. ففي السابق كان هناك عضوين من الأعضاء التسعة في لجنة السياسة النقدية يصوتون لصالح رفع أسعار الفائدة. ولكن محضر الاجتماع الذي تم نشره يوم أمس قد كشف عن أن التصويت كان بالإجماع لصالح الإبقاء على أسعار الفائدة بدون تغيير على الرغم من أن معدل البطالة فد شهد مزيدا من الانخفاض كما أن متوسط الأجور قد سجل ارتفاعا. وأدى انخفاض أسعار النفط الآن إلى جعل الآن خطر الانكماش أكبر من خطر التضخم.
وكان التالي هو البنك المركزي الأوروبي بعد أن نشرت بلومبرغ خبرا مفاده أن البنك المركزي الأوروبي سيناقش برنامجا لشراء السندات بقيمة 50 مليار يورو شهريا حتى نهاية عام 2016، وهو الأمر الذي سيجعل حجم برنامج التيسير الكمي يصل إلى 1.1 تريليون يورو، أي أكثر من ضعف البرنامج الذي تتوقعه السوق وتبلغ قيمته 500 مليار يورو. وقد تم الحد من تأثير هذا الخبر بعد ذلك بوقت قصير بعد أن نشرت صحيفة وول ستريت جورنال خبرا مماثلا مفاده أن البرنامج سيبلغ حجمه 50 مليار يورو أيضا ولكن البرنامج سيستمر لمدة عام واحد فقط. وأدت هذه الأنباء إلى تذكير المستثمرين بأن هذه الأرقام ليست سوى مقترحات وأن اليوم سيشهد مناقشة جميع المقترحات ولكن سيتم الاتفاق على شيء واحد فقط. وفي حقيقة الأمر فإن كمية المشتريات الشهرية تعتبر هي المسألة الحاسمة، وليس المدة لأن السوق ستتوقع إطالة أمد البرنامج إذا ثبت عدم نجاحه. ومن الأسهل بكثير للبنك التصويت لبرنامج مدته سنة واحدة ثم التصويت فيما بعد على إطالة أمد البرنامج إذا لزم الأمر عن التصويت لصالح برنامج مدته سنتان منذ البداية.
وأخيرا فاجأ بنك كندا السوق بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو أول تغيير لسعر الفائدة منذ رفعها البنك إلى 1% في سبتمبر 2010. وذكر بيان محافظ بنك كندا بولوز المصاحب لقرار تغيير سعر الفائدة مرارا وتكرارا مسألة انخفاض أسعار النفط (وردت كلمة "النفط " 14 مرة في البيان الذي بلغت عدد كلماته 867 كلمة). وأشار بولوز أيضا إلى أن "البنك لديه مجال للمناورة إذا اتضح أن توقعاته مفرطة في التشاؤم أو مفرطة في التفاؤل" وهو ما يعني أن البنك يمكن أن يخفض أسعار الفائدة مرة أخرى إذا ثبت خطأ توقعاته بعودة سعر برميل النفط إلى مستوى 60 دولار للبرميل. وأعتقد أنه من المرجح أن تكون توقعات البنك بشأن النفط خاطئة وأنه سيعين على البنك مواصلة خفض سعر الفائدة، وهو الأمر الذي يجعلني ما أزال أتوقع هبوط الدولار الكندي.
من سيكون التالي؟ بدأت السوق على الفور في التكهن بمن سيكون التالي في خفض أسعار الفائدة كما حولت انتباهها إلى عملات السلع الأخرى. وكان الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي قد شهدا انخفاضا، جنبا إلى جنب مع الدولار الكندي، كما أن الصورة الفنية تبدو سيئة جدا لكليهما أيضا: فالدولار الأسترالي (أنظر السطور التالية) والدولار النيوزيلندي قد اخترق لتوه هبوطيا القناة الجانبية الذي كان يجري تداوله بداخلها منذ شهر ديسمبر. وعلى النقيض فإن الكرونة النرويجية فقد ارتفعت وربما جاء هذا الارتفاع أن النرويج هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يواجه الانكماش، أو ربما بسبب ارتفاع أسعار النفط (ارتفع سعر برنت بنسبة 1٪). ومن ناحية أخرى، كان الفرنك السويسري هو أقوى عملات مجموعة العشرة – وأعتقد أن هذا يرجع إلى فكرة التخلي عن مكافحة الانكماش وأنه من غير المرجح اللجوء إلى مزيد من التيسير. وعندما تعاني دولة ما من الانكماش فإنه من المفترض أن تنخفض القيمة الاسمية لعملتها أمام العملات الأخرى للبلدان التي لا تعاني من الانكماش، ولذلك فإن هذا التحرك ليس له مبرر قوي وإن كان يبقى أن نرى فقط كم الانكماش الذي يواجهونه.