بعد عدم الاستقرار الذي شهدته خلال عام 2014، يرجح أن تظل التدفقات الرأسمالية نحو الأسواق الناشئة متقلبة في 2015. وكانت سنة 2014 قد شهدت تعديلات كبيرة في الأوضاع المالية العالمية من بينها التراجع الكبير في أسعار السلع ونهاية برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة وارتفاع سعر صرف الدولار. مستقبلا، فإن هذه التطورات، وخصوصا الانخفاض في أسعار النفط الخام، ستؤدي إلى تباين كبير في أداء الأسواق الناشئة، وهو ما سيزيد المخاطر التي تواجه بلدان معينة مثل نيجيريا وروسيا وفنزويلا. بالتالي، نتوقع استمرار التقلب في التدفقات الداخلية للمحفظة نحو الأسواق الناشئة خلال 2015، لاسيما أن احتمال رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي قد يجذب التدفقات الرأسمالية نحو الولايات المتحدة مع تواصل تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة وبقاء أسعار السلع منخفضة.
وكانت التدفقات الرأسمالية نحو الأسواق الناشئة قد تراجعت قبيل نهاية عام 2013 ومع بداية 2014 حيث أدى تخفيض برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة إلى تشديد أوضاع السيولة على المستوى العالمي. وفي أواسط عام 2014، تعافت التدفقات الرأسمالية نحو الأسواق الناشئة رغم أنها تباطأت مجددا في النصف الثاني من السنة ( 86 مليار دولار مقارنة بـ 131 مليار في النصف الأول من العام حسب معهد التمويل الدولي (IIF)). وأدت نهاية برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة إلى موجة أخرى من هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة على نحو أضعف أسعار الصرف ودفع بعض البلدان إلى رفع أسعار الفائدة. وهذا بدوره أضعف آفاق النمو في الأسواق الناشئة ونتج عنه هروب عالمي كبير من المخاطر. كما أن عددا من الأسواق الناشئة عليها ديون مقومة بالدولار الأمريكي مما يزيد من العبء عليها مع ارتفاع سعر صرف الدولار.
خلال عام 2014، كان هناك تباين كبير في الأسواق الناشئة بين تلك التي استطاعت اتخاذ التدابير اللازمة لتقليص عجز الحساب الجاري لديها وتحقيق الاستقرار في سعر صرف عملاتها (خصوصا الهند وإندونيسيا) وبين الأسواق التي لا تزال تكافح من أجل استعادة الثقة في اقتصاداتها (كالبرازيل ونيجيريا وروسيا وجنوب إفريقيا وتركيا وأوكرانيا). وقد كان انخفاض أسعار السلع العالمية وخصوصا النفط الخام أهم دافع وراء فقدان الثقة في هذه المجموعة من الأسواق.
محفظة الديون وتدفقات رؤوس الأموال
للأسواق الناشئة
(2013-2014)
(مليار دولار أمريكي)
المصادر: متتبع المحفظة من معهد التمويل الدولي
وتحليلات مجموعة QNB
وفي ديسمبر 2014، شهدت الأسواق الناشئة هروب كل من رأس المال المقترض ورأس المال المساهم بواقع 11,1 مليار دولار (وهو أكبر هروب لرؤوس الأموال منذ الإعلان عن تخفيض التيسير الكمي في مايو 2013). وزاد التجنب العالمي للمخاطر في خضم احتدام الأزمة الروسية، واستمرار تراجع أسعار النفط الذي أثار القلق حول امكانية حدوث الانكماش الكبير في العالم (أنظر لتحليلنا الاقتصادي بتاريخ 25 يناير 2015)، وعودة بروز المخاطر بشأن عجز اليونان عن تسديد ديونه السيادية.
مستقبلا، من المتوقع أن يكون التمايز فيما بين الأسواق الناشئة موضوعا رئيسيا خلال عام 2015. وستكون المسألة الحاسمة هي مدى تأثر الأسواق الناشئة الهشة التي تعتمد بشكل كبير على تدفقات رؤوس الأموال والتي تتسم بمستويات عالية من الديون الخارجية بالارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار وكذلك بالزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة على المدى القصير في الولايات المتحدة. ورغم وجود الكثير من عدم اليقين حول الجدول الزمني لرفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تظل المخاطر السلبية بشأن هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة واضحة. وفي حال رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع، فمن شأن ذلك أن يزيد من زعزعة استقرار تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة.
وستكون أسعار النفط عاملا رئيسيا في تحديد ملامح التمايز بين الأسواق الناشئة في 2015 حيث من شأن انخفاض أسعار النفط دعم الأسواق المستوردة للنفط وإلحاق الضر بالأسواق الناشئة المصدرة له. بصفة عامة، سيتحسن ميزان الحساب الجاري في البلدان المستوردة للنفط وستنخفض معدلات التضخم فيها مما يترك مجالا كبيرا لسياسات التحفيز النقدي. في ذات الوقت، تواجه الأسواق الناشئة المصدرة للنفط مشكل تدهور الميزان الخارجي إلى جانب الضغوط المالية حيث تتراجع عائدات النفط. بصيغة أخرى، فإن المستفيد الأكبر سيكون هو تلك الأسواق الناشئة التي تستورد كميات كبيرة من النفط ولديها معدلات تضخم عالية كالهند وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وتركيا. في المقابل، فإن البلدان المصدرة لكميات كبيرة من النفط والتي تعاني من تدهور الميزان المالي وضعف أطر سياسة الاقتصاد الكلي تعتبر في وضعية غير ملائمة خصوصا نيجيريا وروسيا وفنزويلا والتي، في أسوأ الحالات، قد تجد نفسها أمام أزمة في ميزان المدفوعات (أنظر لتحليلنا الاقتصادي بتاريخ 21 ديسمبر 2014).
ختاما، نتوقع أن يكون 2015 عاما آخر من التقلبات في تدفقات رؤوس الأموال نحو بعض الأسواق الناشئة، وذلك بموازاة عدد من المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى جانب التطبيع المتوقع للسياسة النقدية في الولايات المتحدة هذا العام إلى وضع مزيد من الضغوط على التدفقات الرأسمالية نحو الأسواق الناشئة الهشة وزيادة الضغوط الانكماشية. ونتيجة لذلك، يمكن توقع مزيد من الضعف في أسعار الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة، وضعف النمو، وعدم استقرار الأسواق المالية في بعض الأسواق الناشئة.