هناك سؤال يتبادر الى ذهن الكثير من المستثمرين، ألا وهو “إذا ما أطلق البنك المركزي الأوروبي برنامج التيسير الكمي واشترى السندات الحكومية، فهل سترتفع العوائد على سندات منطقة اليورو الى مستويات قياسية أم ستنخفض؟
من غير المرجح أن يعلن البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه المقرر اليوم الخميس في فرانكفورت عن برنامجه للتيسير الكمي، حيث تتوقع الأسواق أن يتم ذلك في وقت مبكر من العام المقبل.
ولكن ما يشغل بال المستثمرين الآن هو ما سيحدث للعوائد والتي تتحرك عكسياَ مع الأسعار، ومسائل كثيرة أخرى. حيث يمكن من خلالها تحديد ما إذا كان التيسير الكمي في منطقة اليورو ناجحاً أو فاشلاً. علاوة على ذلك، فإنه يتم استخدام السندات الحكومية لتسعير الأصول في الأسواق المالية، لذلك فإن أي تحركات غير متوقعة من قبل البنك المركزي الأوروبي ستخلق تقلبات كبيرة في الأسواق.
ولكن السؤال الذي لا يسهل الإجابة عليه هو "هل سيتبع البنك المركزي الأوروبي في برنامجه للتيسير الكمي نظرائه من البنوك المركزية الأخرى كالفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا وبنك اليابان؟" بالإضافة الى أن التاريخ يقدم لنا أدلة متضاربة حول الآثار المترتبة على الأسواق بسبب برامج التيسير الكمي، وهذا ينطبق تماماً على عوائد السندات إرتفاعاً وإنخفاضاً على حد سواء.
الاقتصاد البسيط يشير الى أن شراء البنك المركزي للسندات يقود أسعار السندات الى الإرتفاع وبالتالي ستنخفض العوائد. هذا ما يحدث بالفعل. وهذا ما حدث سابقاً في الولايات المتحدة، وكذلك عندما تنامت التوقعات بإطلاق برنامج للتيسير الكمي في منطقة حيث تراجعت العوائد على السندات في منطقة اليورو بشكل حاد. هذا الأسبوع تراجعت العوائد على سندات الخزينة الألمانية لأجل 10 سنوات الى مستويات تاريخية دون 0.7%.
ولكن ما الذي سيحدث في حال تفعيل برنامج التيسير الكمي؟ حسب التجربة الأمريكية ومن خلال ثلاث جولات من التيسير الكمي منذ عام 2008 تظهر أن عائدات السندات قد ترتفع.
التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو أن المستثمرين يتبعون سياسة " buy the rumour and sell the fact". المستثمرون البارعون قاموا بشراء السندات الحكومية الأمريكية -مما أدى بطبيعة الحال الى تراجع العائد-تحسباً لقيام الفيدرالي بشراء السندات، وعندما قام الفيدرالي فعلياً ببدأ عمليات الشراء قام هؤلاء المستثمرون بالبيع. بعبارة أخرى، إن أكبر آثار برنامج التيسير الكمي تأتي قبل إعلانها الفعلي.
يتساءل آخرون، وإن كان التفسير السابق مقنعاً، أن العوائد على السندات الأمريكية إرتفعت بينما كان برنامج التيسير الكمي جارياً !! بالفعل حدث ذلك خلال فترة معينة وذلك بسبب الإفتراض بأن التيسير الكمي سيؤدي في النهاية الى النمو الاقتصادي القوي وسيرفع مستويات التضخم، وهذه هي العوامل التي عادة ما تدفع بعوائد السندات الى الإرتفاع.
الشيء الوحيد العقلاني الذي يجب فعله عندما تبدأ البنوك المركزية بطباعة النقود هو بيع السندات، وحقيقة أن تلك البنوك تقوم بشراء تلك السندات غير مهمة. وكما ذكرت سالفاً ومن خلال التجربة الأمريكية في ثلاث جولات من عمليات التيسير الكمي نلاحظ أن المعدلات قد إرتفعت ولكنها تراجعت عندما تم إنهائها.
حتى وإن كان هناك إجماع علام ما يدفع برنامج التيسير الكمي العوائد على الإرتفاع، قد لا تكون التجربة الأمريكية ذات صلة بمنطقة اليورو، حيث أن التجربة اليابانية تشير الى أن العائدات قد تذهب في الإتجاه المعاكس.
عندما أطلق "كورودا" محافظ بنك اليابان برنامجه للتيسير الكمي في أبريل 2013، قفزت العوائد على سندات الحكومة اليابانية في البداية وبدأت تتأرجح بعنف ولكنها بدأت بالتراجع بصورة مطردة. وعلى الرغم من أن بنك اليابان أعلن في نهاية أكتوبر عن توسيع نطاق البرنامج، فقد تراجعت الى أدنى من ذلك. وبالرغم أيضاً من تخفيض التصنيف الإئتماني هذا الأسبوع، فإن العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بالكاد عند أعلى بقليل من 0.4%
لماذا هذا الإختلاف بينها وبين الولايات المتحدة؟ قد يكون سبب إنخفاض العوائد على السندات اليابانية هو فشل الحكومة اليابانية بقيادة "شينزو آبي" في إقناع المستثمرين في أنها ستنجح في سحب اليابان من العقلية الإنكماشية. تفسير آخر، وهو أن حجم شراء بنك اليابان كان كبير جداً نسبة الى حجم السوق، وبالتالي فإن تأثيره على كبح العوائد أكبر من ذلك بكثير.
و عندما يكون لدينا عمليات شراء بهذا الحجم الرهيب من قِبل بنك اليابان فهذا شيء لا يمكننا الوقوف أمامه، و بحلول عام 2015 ستصل حيازات بنك اليابان من سوق السندات الحكومية اليابانية الى ما يقرب من 40% و هي نسبة تعتبر مرتفعة نوعاً ما.
على النقيض من ذلك، حتى لو قام البنك المركزي الأوروبي بشراء ما قيمته 500 مليار يورو من الديون الحكومية العام المقبل، فإنه سيكون بذلك قد حصل على 8% فقط من سوق السندات الحكومية لمنطقة اليورو.
ومع ذلك، فإنه ليس بالضرورة أن يكون تأثير التيسير الكمي في منطقة اليورو هو نفسه في الولايات المتحدة من ناحية دفع العوائد الى الإرتفاع. الفارق الوحيد هو أن بنوك منطقة اليورو قد تحجم عن بيع السندات الحكومية للبنك المركزي الأوروبي، إلا إذا قام البنك المركزي الأوروبي بإيقاف الفوائد على الودائع لليلة واحدة، حيث أنها سوف تتكبد أسعار الفائدة السالبة التي يفرضها الولي النقدي في منطقة اليورو نتيجة لذلك فإن على البنك المركزي الأوروبي تقديم عطاءات أكثر قوة للحصول على هذه السندات فترتفع أسعارها وتتراجع عوائدها. وعلاوة على ذلك، وبعد أن إنتظر طويلاَ قبل الإقدام على شراء السندات الحكومية، يتوجب على البنك المركزي الأوروبي النضال من أجل إقناع المستثمرين بأن التضخم في منطقة اليورو سيرتفع.وإذا قرر المستثمرون بأن التيسير الكمي في منطقة اليورو لن ينجح فسيكون من المنطقي جداً أن تتراجع العوائد. ولذلك فإن إتجاه نسب العوائد سيظهر كيف ستحكم الأسواق على مدى فعالية البنك المركزي الأوروبي.