الهبوط عمودياً من 120 دولار للبرميل وحتى 26 دولار جعلت الكثير من دول ومؤسسات وافراد ان يعيدوا تقييم موقف النفط المؤثر الاول والاقوى على اقتصادات العالم ككل، سواء كانت كبيرة او صغيرة، مؤسسية او فردية.
ذلك لأنه بداية من مكبس الكهرباء في منزلك وحتى طعامك ورفاهيتك تعتمد في شكل اساسي ورئيسي في اسعارها على الذهب الاسود الذي يبدو للبعض وكأنه قد فقد بريقه.
لذا وضعت نفسي في مقاعد كلا الجانبين كي اسمع هممتهم بخصوص الاسعار سواء الدببة مؤيدي الهبوط والذين ما زالوا يتوقعون المزيد جنوبا او هؤلاء الثيران المتمسكون بالصعود المؤمنون بقوة النفط كمصدر رئيسي للطاقة، لا غنى عنه مهما ظهرت له بدائل وقررت ان اسرد لكم قرائي الاعزاء تلك القصة لاضع بين ايديكم الصورة الكاملة للنفط بالاضافة الى تحليلاً فنياً وتقنياً لكي نغطي كل جوانب القصة.
* من مقاعد الدببة:
كان لابد ان نبدأ من مقاعد الدببة حيث انهم المسيطرين الان على الوضع ولانهم من يأخذون بزمام الامور حالياً والذين قد يدهشونك بأسبابهم وهي كالتالي:
1. الطاقة المتجددة:
كانت الطاقة المتجددة والبحوث التي اجريت حولها من اهم اسباب انهيار اسعار النفط، لك ان تتخيل سيدي القارئ انه في ظرف 4 سنوات فقط استطاعت 11 دولة ان تستعوض عن النفط بالطاقة المتجددة بمقدار 316 مليون طن.
وهو رقم ليس بالهين خصوصاً حين تعرف بأن تلك الطاقة الجديدة والنظيفة ارخص كثيراً من النفط ولكن تكمن مشكلتها الوحيدة في تكلفة البداية فقط.
استطاعات تلك الطاقة ان تكشف عجزاً في طلبات النفط بمقدار مليون برميل يومياً خلال السنوات الاربع الماضية والدول الاحدى عشر كالتالي مرتبة تنازليا من الاكبر الى الاصغر في استخدام الطاقة المتجددة:
السويد - الولايات المتحدة - الصين - المانيا - اسبانيا - اسكتلندا - الاوروغواي - الدانمارك - نيكاراغوا - كوستاريكا - المغرب
وتختلف مصادر الطاقة المتجددة لتلك الدول ولكن تتصدرها تلك المصادر حسب الترتيب:
الطاقة الشمسية - طاقة الرياح - طاقة المحيطات
2. السياسة:
يجب ان يكون المستثمر اكثر الناس وضوحاً حينما يواجه السوق مشكلة سياسية ما، يجب ان يعترف بها ويتعامل معها، نعم يا سادة اسعار النفط يتم استخدامها حاليا كعقاب سياسي لبعض الدول.
ولنكون اكثر وضوحا في هذا الجانب حيث استخدمت الولايات المتحدة والسعودية هذا النوع من العقاب ضد كلا من روسيا وايران وظهر هذا واضحاً خلال السنة ونصف الماضية،
حيث استطاعات الولايات المتحدة ان تقلم اظافر الدب الروسي اقتصاديا الذي بات يواجه انكماش بعدما فقد النمو السريع الذي كان قد اكتسبه خلال العقد الماضي.
كان هذا العقاب الشديد رداً امريكيا على احتلال القرم الاوكرانية ومساندة الاسد في سوريا، ولا تزال اميركا مصممة على استخدام هذا العقاب خصوصا ان كلتا المشكلتين لا زالتا قائمتين بلا حل حتى تلك اللحظة.
كذلك استخدمته الولايات المتحدة ضد ايران لتقبل بشروط الاتفاق النووي، خصوصا بعدما تعالت صرخات ايران اقتصاديا التي كانت على وشك الافلاس النهائي في حسن استخدمته المملكة العربية السعودية ضد ايران العدو التاريخي للمملكة وذلك كعقابا لها على التدخل العسكري في سوريا.
يجب ان يعلم الجميع ان اميركا والسعودية هما الدولتان الوحيدتان في العالم القادرتان على رفع اسعار البترول وتحويل الدفة نحو الصعود بسهولة وخاصة ان احدهما اكبر مستهلك والاخر اكبر منتج.
3. تباطؤ الاقتصاد العالمي:
لكي نفهم هذا المصطلح بالتحديد يجب ان نفنده كي لا يكون قالباً جامداً للقرآء.
كانت الصناعة في الماضي حكراً على المبتكرين الاوائل، حيث ظلت دول معدودة هي المسيطرة على اسواق السيارات والادوية والسلاح وكذلك الامر في التكنولوجيا.
مع التقدم والتطور في العلوم والعولمة التي يسرت الامر على بقية الدول التي كانت تعاني في الماضي فقراً مدقع بدأت دول جديدة الدخول الى عالم الصناعة والتجارة وهو ما ادى الى تأثر حصص الصناع الاوائل في السوق، وكلما تقدم العالم وانفتح اكثر كلما نقصت حصص الدول الصناعية الكبرى في السوق العالمي حتى ان بعض الدول بدأت في اخذ اجراءات احترازية لحماية صناعاتها ومنتجاتها تنافسياً.
الصناعة ليست حكراً على احد، كان هذا شعار الصين منذ السبعينات وكان العنصر المؤسس لامبراطوريتها الاقتصادية التي اصبحت معجزة عالمية، وكان ذلك ايضا هو سبب تباطؤ اقتصادها مؤخراً حيث اصبح للصين منافسين اقوياء اقتصاديا اخدوا من حصتها الكثير كما فعلت هي مع الاوروبيين والامريكيين.
في ظل انفتاح الملعب على مصراعية تباطؤ الاقتصاد العالمي مرشح للزيادة ما لم تتخذ الدول الصناعية الكبرى اجراءات لحماية صناعتها حيث في ظل النزام الرأسمالي "تأثر دولة صناعية كبرى اشد خطراً من تأثر عدة دول صغرى" وجميعنا نتذكر في الماضي المثل القائل "اذا عطست اميركا اصيب العالم بالزكام".
حيث ان الدول الصناعية الكبرى هي المستهلك الاساسي والرئيسي للنفط والمعادن التصنيعية الاخرى وهي المتحكمة عن طريق طلباتها في نصف الاسعار تقريباً واذا تأثر اقتصاد احداها تأثر الطلب، وهو ما حدث مع الصين التي واجهت تباطؤ فواجه طلبها النفطي ضعفاً فأثر ذلك على اسعار النفط.
تلك المشكلة لا زالت قائمة، حيث لا تزال الصين تواجه تباطؤ ومشاكل في سوقها المالي، كانت تلك الاسباب الثلاثة هي الاساسية في انهيار اسعار النفط عالمياً.
* من مقاعد الثيران:
نسرد اليكم هنا اسباب الثيران في تمسكهم بقوة النفط وعودته لاسعار مناسبة سريعاً وقد استنداوا الى تلك الاسباب التالية:
1. لا بديل للنفط:
يقول الثيران انه مهما تحدثت عن بدائل للطاقة فلن يمكنك تحريك سفينة في عرض البحر تحمل مئات الالاف من الاطنان الا عن طريق النفط، كذلك الكهرباء والسيارات، فهو ايسر الطرق واسهلها لاحراق الطاقة وتسيير الالات الضخمة مصادر الطاقة الاخرى.
يستند الثيران الى ان العالم يستهلك يومياً ما يزيد عن 80 مليون برميل يوميا وهو ما يجعل الطريق طويلاً الى ان تستطيع الطاقة المتجددة في سد احتياجات البشر من الطاقة خصوصا ان البشر في تزايد مستمر وهو ما يعني ان الحاجة للطاقة ستكون اكبر وهو ما يؤهل النفط ان يكون الاختيار الاول دائماً.
2. محدودية مصادر النفط:
مقابل كل اربع براميل من النفط يستهلكها العالم الان يتم اكتشاف برميل واحد فقط، النفط كمصدر اساسي ورئيسي ليس بآمان كما نظن، لا زالت تهبط تلك النسبة منذ عام 1930، حيث كنا نكتشف 100 برميل مقابل كل برميل نستهلكه، وهو ما دفع البشر الى البحث عن النفط في اعماق المحيطات الشديدة الخطورة وهو ما يعني انه سيأتي يوماً ينفذ فيه نفط العالم "فعليا".
هذا يعني ببساطة ان الاسعار التي اشبعت غريزة الدببة حاليا ستكلفهم الغالي والنفيس مستقبلا حيث من الممكن ان يتفوق سعر برميل النفط على سعر اوقية الذهب يوماً ما.
3. المنتجين الرئيسيين في ازمة:
لا يخفى على القاصي والداني ما تمر به المملكة العربية السعودية ودول المجموعة "اوبك"، وكذلك المنافسيين التقليديين مثل روسيا يعانون اشد المعاناة جراء انهيار اسعار النفط عالمياً.
وهو ما قد يدفعهم جميعا الى الاتفاق بخصوص تخفيض الانتاج وهو ما يراه بعض الخبراء قرار حتمي سيتم اتخاذه عاجلا ام اجلا وهو كفيل بقلب الامور رأسا على عقب حيث ان مشكلة النفط الرئيسية تتلخص في "تخمة المعروض"، ولكن الاقتصاديين يضعون بجانب تلك الجملة كلمة "حاليا" فقد نرى يوميا تخمة في الطلبات وهو ما قد شهده النفط كثيراً منذ ان خضع للعرض والطلب.
* الرؤية الفنية للنفط:
خلال 30 عام مضت انهار النفط 6 مرات كانت اعنفها في عام 2008، اما اطولها مدة كان انهيار عام 1997، حيث طلت اسعار النفط تهبط قرابة الـ 23 شهراً.
يُلاحظ ان انهيار 2014 الذي نعيشه حاليا هو ثاني اكبر انهيارات النفط في القيمة حيث فقد النفط قرابة الـ 75% من قيمته وهو ايضا الثاني من حيث المدة حيث سيطر الانهيار على الاسعار قربة الـ 19 شهراً.
* التحليل الفني والتقني:
نقاط النفط المحورية تتلخص في 34.80 ثم 38 ثم 43 ثم 52، حيث تمثل تلك المناطق مقاومة شرسة امام اي محاولة للثيران في التقدم، اختراق اي منها يؤهل الاسعار للتقدم للمنطقة التي تليها مباشرة حيث تخلو تماما المناطق البينية من اي مقاومة هامة تُذكَر، وهو ما يعني انه اذا نجح النفط في القفز اعلى مناطق الـ 34.80 فهذا يعني ان الاسعار مؤهله لاختبار مناطق الـ 38.
ايضا تتلخص دعوم النفط المحورية في مناطق 30 ثم 26 ثم 20 وهي المناطق التي يجد الدببة حاليا صعوبة في كسرها مؤقتاً، يذكر ان دعم منطقة 20 لم يتم تحقيقه حتى الان ويتم استخدمه كدعم نفسي قوي.
ايضا نرى ايجابية شديدة لمؤشر القوة النسبية RSI حيث يتضح ان هناك انفراجاً ايجابيا وتصاعديا لقوة الثيران ولكن يتبقى لهم لاثبات افضليتهم الحالية الاغلاق اعلى مستوى 34.80 دولار.
اما اذا فشلت الاسعار في العودة مرة اخرى اعلى مناطق 34.80 فقد يعاود النفط هبوطه لاختبار مناطق الدعم مجددا 30 ثم 26.