لاحظت في مقال الأمس عن أداء البورصة القطرية أن هناك حالة من التراجعات في المؤشرات قد هيمنت على الأداء، وأن إجمالي حجم التداول الأسبوعي قد واصل تراجعه، وأن المحافظ الأجنبية قد انفردت بالشراء الصافي في مواجهة مبيعات صافية من بقية الفئات وخاصة المحافظ القطرية، والأفراد القطريون.
وأشرت إلى أن هذه الحالة قد تكون طبيعية وتنسجم مع انتهاء موسم توزيعات الأرباح السنوية، إلا إن استمرار هذه الظاهرة في الأسابيع القادمة قد يكون له دلالات أخرى لعل من بينها التأثير غير المباشر لما صدر مؤخراَ من تعليمات عن ضرورة تخلص المساهمين الذين يمتلكون أكثر من 5% من أسهم أية شركة من تلك الأسهم الزائدة. صحيح أن التعليمات قضت بأن يتم تصفية تلك الزيادات خلال خمس سنوات من تاريخه، إلا أن تأثير القرار قد يتعدى ذلك الأثر المباشر، بأن يؤدي إلى إضعاف رغبة كبار المستثمرين في الشراء، تخوفاً من حدوث تجاوزات جديدة في نسب ما يملكونه من أسهم.
وقد بدا هذا الأثر واضحاً على تحول صافي عمليات المحافظ القطرية والقطريون الأفراد من الشراء إلى البيع الصافي، وإلى التراجع المتتالي في أحجام التداولات لعدة أسابيع. هذه الظاهرة قد يكون لها نتائج غير مطمئنة على وضع البورصة في الشهور القادمة.
وفي حين سادت مؤخراً حالة من الإرتياح لما تقرر من إدراج أسهم بنك قطر الأول بعد أسابيع قليلة من الآن، إلا أن القرارات المشار إليها قد يكون لها تأثيرات غير إيجابية طويلة الأمد على إجمالي التداولات من ناحية، وعلى إمكانية حدوث عمليات إدراح جديدة في المستقبل من ناحية أخرى.
وهناك وجهة نظر تقول إن الاقتصاد القطري يقوم على حرية رأس المال الخاص ويشجع المبادرات الفردية لرجال الأعمال-أي أنه نظام رأسمالي في الأساس - وأن وضع قيود وحدود على ما يمتلكه رجال الأعمال من أسهم الشركات سوف يحول دون تنامي الأعمال، وقد يدفع المستثمرين إلى البحث عن فرص جديدة للاستثمار خارج البورصة في القطاع التقليدي المأمون في قطر وهو قطاع العقارات.
والقياس على ما هو معمول به في البورصات العالمية المتقدمة من نظم ولوائح أو من نسب وحدود تملك، قد لا يكون مناسباً لتطبيقه بحذافيره في بورصة قطر التي لم تُكمل بعد عقدها الثاني منذ تأسيسها. كما أن اقتصار رجال الأعمال في قطر على عدد محدود نسبياً، يضع عراقيل على نمو عدد الشركات المدرجة في البورصة، وخاصة إذا ما تم تطبيق تلك النسب.
وهناك من يرى أن الشركات العائلية التي هي المخزون الاستراتيجي للشركات المدرجة في المستقبل، قد تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ قراراً بإدراج أسهمها في البورصة، وذلك إذا ما بدا لها أن القوانين المنظمة للإدراج وللاستثمار في البورصة أضيق من أن تتسع لها ولطموحات مؤسسيها أو مالكيها. بل إن تلك التعليمات والحدود المضيقة، قد تدفع إدارات شركات مدرجة بالفعل إلى طلب الإنسحاب من البورصة كما حدث ذلك مؤخراً مع مجموعة المستثمرين.
وفي المقابل نجد أن التضييق على أوضاع ونسب تملك رجال الأعمال والمؤسسات القطرية الخاصة في الشركات المساهمة القطرية المدرجة، واستثناء مؤسسات الدولة كصندوق التقاعد وغيره، من تطبيق تلك الضوابط، يعني أن الاستثمارات تميل للتركز في الجانب الحكومي مجدداً، على عكس ما وجه به حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى، من ضرورة مشاركة القطاع الخاص بفاعلية في نهضة الاقتصاد القطري ونموه، وخاصة في مرحلة ما بعد انخفاض أسعار النفط.
وعلى ذلك، أجد من المهم التوصية بضرورة أن تكون هناك متابعة دورية لما يتم اتخاذه من قرارات تتعلق بالشأن الاقتصادي والاستثمار، للتأكد من أن تلك القرارات تصب في الصالح العام، وأنها لن تعمل بغير قصد على تعطيل النمو المستهدف لمجاميع الاقتصاد.
وأخص بالذكر في هذه المرحلة أهمية مراقبة أحجام التداول الأسبوعية واليومية في البورصة، ومعرفة اتجاهات صافي التداولات بالنسبة لفئات القطريين على وجه الخصوص أفراداً ومحافظ، كما أن من الضروري وضع تصورات محددة للأعداد المستهدفة من الشركات القطرية المدرجة في البورصة، وخاصة أننا على وشك الانتقال إلى الخطة الاستراتيجية الثانية التي تبدأ من العام 2017.