تستعد أوروبا لمواجهة شتاء قارس البرودة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن الدول الناشئة تواجه تكاليف متزايدة بشكل أكبر وسط سعي الحكومات للحفاظ على تدفق الطاقة إلى المواطنين المتضررين من ارتفاع التضخم.
وتتجه الحكومة الباكستانية إلى قطع التيار الكهربائي وزيادة فواتير الكهرباء نظراً لافتقارها للقدرة اللازمة لتأمين وقود كافي، بينما تغلق متاجر بنجلاديش أبوابها في تمام الساعة 8 مساءً كجزء من تدابير تقشفية في قطاع الطاقة، وعززت الحكومة المكسيكية الدعم المقدم لتخفيف تكاليف الكهرباء المنزلية.
تأتي هذه الأزمة في وقت صعب بالنسبة للعالم بأسره.
يشير التحول العالمي لمصادر طاقة أنظف إلى أن الاقتصادات المتقدمة لم تستثمر في تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، بينما تعرضت الدول الفقيرة لضغوط لتبني الغاز الطبيعي الأنظف.
والآن، أصبحت الدول الناشئة غير قادرة على المنافسة وسط ارتفاع أسعار الغاز بأكثر من 150% منذ الغزو الروسي في فبراير، وقدرة الدول الأكثر ثراء على دفع المزيد لضمان توفير الإمدادات الكافية.
ولا شك أن هذه المشكلة تصيب العالم النامي بأسره، فقد أعيد توجيه شحنات الغاز إلى أوروبا، حيث يمكن للمشترين تحمل أسعار أعلى، بعد أن كان من المقرر لها التوجه إلى باكستان أو الهند.
كذلك، تسعى سريلانكا جاهدة لتأمين الوقود من مورديها المعتادين، في حين أن الأرجنتين لم تشتري شحنات الغاز الطبيعي المسال لشهر أغسطس بعد ارتفاع الأسعار.
تتراوح قيمة فواتير استيراد الطاقة للدول المتقدمة بين 2 ـ 4% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب مقصيت أشرف، المدير الإداري الأول للعمليات الدولية في شركة “أكسنتشر”.
في الوقت نفسه، تجاوزت هذه التكاليف حاجز الـ 25% من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة لبعض الأسواق الناشئة، على حد قول أشرف.
كما أن انخفاض قيمة العملات يبقي تكاليف الاستيراد باهظة، ما يفاقم الجهود المبذولة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة.
استجابت الحكومات المحيطة بأمريكا اللاتينية من خلال زيادة الدعم المقدم ونسبة خفض الضرائب على البنزين والديزل من أجل إرضاء المواطنين الغاضبين الذين ما زالوا يحاولون للتعافي من تداعيات الوباء.
وتعتزم المكسيك إنفاق ما يقرب من 25 مليار دولار على دعم الوقود والكهرباء خلال العام الحالي، كما اضطرت حكومة بنما للتدخل بعد خروج المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع.
وبالنسبة لأفريقيا، اتخذ البنك الدولي خطوة استثنائية من خلال دعم ركاب الحافلات في موزمبيق لتخفيف حدة الأزمة، بينما يجبر نقص البنزين في بوروندي السائقين على شراء الوقود من السوق السوداء بثلاثة أضعاف السعر الرسمي.
ويسعى الرئيس الغاني، نانا أكوفو أدو، الآن لمضاعفة دعم صندوق النقد الدولي إلى 3 مليارات دولار بعد احتجاج الشعب على أمور مثل ارتفاع أسعار الوقود.
كان الفحم والغاز رخيصين ومتوفرين، واستفادت الاقتصادات الناشئة سريعة التوسع خلال معظم أوقات العقد الماضي، وظهرت مجموعة من منشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة بدءاً من أستراليا إلى الولايات المتحدة، بينما استقر الاستهلاك في اليابان وكوريا الجنوبية، وهما أكبر مستوردي السلع الأساسية.
كذلك، كانت تحركات الحكومات الغنية للتخلي عن الفحم القذر سبباً في وفرة المعروض، كما غمرت ثورة النفط الصخري الأسواق الدولية بالنفط الخام.
لكن هذه الأيام قد ولت، فقد واجهت شركة “جايل” الهندية لتوزيع الغاز الطبيعي صعوبة في تأمين غاز طبيعي مسال كافي لعملائها المحليين، الأمر الذي أجبرها على قطع الإمدادات عن مستخدمين رئيسيين.
في تايلاند، ارتفعت تعريفات الكهرباء بالتجزئة بنسبة 17% مؤخراً بسبب واردات الغاز الطبيعي المسال باهظة الثمن.
ولم تتمكن باكستان وبنجلاديش من تأمين شحنة فورية واحدة لعدة أشهر في ظل ارتفاع معدلات الغاز الطبيعي المسال بنحو 1300% في العامين الماضيين.
وفي هذا الصدد، دعا توفيق إلهي تشودري، مستشار رئيس الوزراء البنغلاديشي لشؤون الطاقة، المواطنين إلى التحلي بالصبر.
مع ذلك، لقد نفد صبر المواطنين في العديد من الدول، إذ أغلق المتظاهرون في باكستان الطرق في جميع أنحاء البلاد، كما أغلقت السلطات في بنما الطرق السريعة والموانئ.
قالت سوزان ساكمار، الأستاذة المساعدة الزائرة في مركز القانون بجامعة هيوستن: “كلما طالت أزمة الطاقة، كلما زاد احتمال حدوث اضطرابات مدنية في جميع أنحاء العالم”.
يذكر أن العالم النامي ليس الوحيد الذي يعاني أزمة الطاقة، فربما لا يكون لدى ألمانيا غاز يكفيها لتجاوز الشتاء إذا قطعت موسكو الإمدادات.
كما تشتري المملكة المتحدة الغاز الطبيعي المسال الأسترالي للمرة الأولى منذ 6 أعوام على الأقل وسط شح الإمدادات، وقد يلحق ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة في بداية فصل الصيف ضرر دائم بالحزب الديمقراطي الذي يترأسه الرئيس جو بايدن في انتخابات التجديد النصفي خلال نوفمبر.