واشنطن، 7 نوفمبر/تشرين ثان (إفي): صار باراك حسين أوباما رئيسا للولايات المتحدة للمرة الثانية ليثبت أن وصول أمريكي من ذوي البشرة السمراء إلى البيت الأبيض لم يكن حدثا عابرا من قبيل الصدفة أو الظروف الاستثنائية في تاريخ بلاده.
وأفرغ أوباما من جعبته نجاحات وإخفاقات السنوات الأربع، التي سيضاعفها الآن إلى إلى ثمانية، فذكر شعبه بإنجازاته، واعترف بأخطائه.
واعترف أوباما بأن استمراره في البيت الأبيض سيكون صعب المنال، وذلك حين أعلن رسميا عزمه الترشح لفترة ثانية خلال المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في كارولينا الشمالية خلال سبتمبر/أيلول الماضي.
ولجأ أوباما إلى خطاب انتخابي "واقعي" هذه المرة، بخلاف الخطاب "الوردي" الملئ بالوعود الذي ألقاه في جامعة دينفر بولاية كولورادو في 2008.
وكانت أبرز التحديات في طريق أوباما للبقاء في البيت الأبيض يتمثل في ضعف الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الأزمة المالية في أوروبا، وهو ما أثار شكوك الناخبين قبل منح أصواتهم له.
ولهذا كان العنصر الأساسي الذي ركز عليه أوباما ضمن وعوده الانتخابية الجديدة هو طرح سلسلة من المبادرات لتنشيط الاقتصاد، كما ركز على تطوير قطاع التعليم، وإيجاد مزيد من فرص العمل بقطاع الحرف اليدوية، مع تقليص الاعتماد على النفط الأجنبي، وفرض ضرائب أكثر على الأثرياء.
أتم أوباما عامه الـ51 في البيت الأبيض، وقد دب الشيب في رأسه، كما نضجت ابنته الكبرى "ماليا" بالتحاقها بمعهد دراسي، لتودع الطفولة التي عاصرت فوز أبيها التاريخي في المرة الأولى، لكنه يظل الرجل نفسه الذي وقعت في غرامه سيدة الولايات المتحدة الأولى ميشيل، والتي أكدت أنه "لا يزال يعيش الحلم الأمريكي، ولم يتخل عنه مطلقا".
وقبيل خوضه معمعة الانتخابات، استرجع أوباما شريط حياته الذي بدأ في الرابع من أغسطس/آب عام 1961 بميلاده في ولاية هاواي، الأكثر شبابا بين ولايات أمريكا، قبل أن يتحول إلى الرئيس رقم 44 في تاريخ البلاد.
حمل الطفل باراك اسم والده الكيني، الذي تخصص في الاقتصاد ودرس بجامعة هارفارد، وجاء إلى الحياة ثمرة زيجته بالأمريكية البيضاء، آن دونهام، عالمة أصول الإنسان المنتمية لولاية كنساس.
وفي بلد لم يتمتع فيه السود بالحقوق المدنية حتى أقل من نصف قرن مضت، شق أوباما طريقا طويلا واستثنائيا، وجسد صورة بلد يريد استعادة شبابه.
فحين ولد كان الزواج بين الأعراق المختلفة محظورا في كل ولايات الجنوب الأمريكي تقريبا، قبل أن تسمح به المحكمة العليا في يونيو/حزيران 1967.
وعاش الطفل باراك في كنف جديه وهما من البيض، وذلك بعد انفصال والديه دون أن يكمل عامه الثاني، وقد فقد جدته مادلين دانهام (86 عاما) التي لعبت دورا رئيسيا في حياته ونشأته عشية يوم الاقتراع الرئاسي في الرابع من نوفمبر عام 2008 ، ليفقد مصدر إلهامه الأول.
وانتقل أوباما للعيش في إندونيسيا بعد زواج أمه للمرة الثانية، وهناك تلقى تعليمه في مدارس إسلامية وكاثوليكية.
وفي سن العاشرة أرسلته أمه إلى هاواي مع جديه كي يتلقى مستوى أفضل من التعليم، ولم يسلم من شهوة تعاطي المخدرات في المراهقة، كما كان مولعا بكرة السلة أكثر من القراءة والاطلاع.
لكنه كان تلميذا نجيبا توسم فيه أساتذته مستقبلا واعدا، وانتهى به المقام بدراسة العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، والحقوق بجامعة هارفارد، فتخرج من الأولى في 1983 ومن الثانية في 1993.
تزوج أوباما من المحامية ميشيل عام 1992 ، ورزق منها بالطفلتين ماليا وساشا، ولكن قبل ذلك كان قد انتقل للعيش بمسقط رأسها في شيكاغو في 1985 للاشتغال في الأنشطة الاجتماعية والخيرية لمساعدة الفقراء والمهمشين، ثم عمل بتدريس القانون الدستوري، ومن ثم ناشطا حقوقيا، حتى دخل المعترك السياسي في 1997 بعد انتخابه بمجلس شيوخ ولاية إلينوي.
في 2004 ، بعد انخراطه في الحزب الديمقراطي، نجح أوباما في انتخابات الكونجرس عن ولاية إلينوي بأغلبية بلغت 70% ، ليصبح واحدا من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ، وأول سيناتور أسود البشرة على مر تاريخه.
وبرز باراك في يوليو/تموز 2004 عندما كان برلمانيا محليا في شيكاغو، فقد رأى ملايين الأمريكيين في هذا الرجل الأسود النحيل، الذي جاء يدافع عن المرشح الرئاسي السابق جون كيري، ممثلا لإرادتهم بدعوته إلى المصالحة بين الأمريكيين وتنحية خلافاتهم جانبا، ليروا فيه من يحمل إرث بطلين سابقين، المدافع عن الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج والرئيس الراحل جون كنيدي.
تجرأ أوباما على ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008 وأصبح المرشح الرسمي للحزب الديموقراطي بعد تفوقه على هيلاري كلينتون، ليخوض صراعا شرسا مع المرشح الجمهوري جون ماكين.
وحقق أوباما الحلم، وحالفه انتصار تاريخي وساحق على ماكين، ليصبح وهو في الـ47 من عمره أول أمريكي أسود من أصل أفريقي ينتخب رئيسا للولايات المتحدة.
وقال أوباما في أول خطاب له كرئيس منتخب أمام حشد مبتهج في شيكاغو إن "التغيير آت في الولايات المتحدة"، ودعا الأمريكيين إلى دعم روح الوحدة لمجابهة التحديات الملحة.
وقال أمام اجتماع حاشد يختفل بالنصر إن "الطريق سيكون شاقا، وسنتسلق منحدرات صعبة. ربما لا نصل إلى هناك في عام أو حتى في فترة ولاية واحدة. ولكن يا أمريكا.. تحدوني آمال كبرى بأننا سنصل إلى هناك".
وتحدث أوباما عما يعنيه أن يصبح أول رئيس أمريكي أسود يوم نصره، قائلا "كان هذا مقدرا أن يحدث منذ فترة طويلة، لكن الليلة ونتيجة لما فعلناه في هذه الانتخابات.. في هذه اللحظة الفاصلة أتى التغيير إلى أمريكا".
وبعد عام واحد من تولي مقاليد الحكم، مُنح جائزة نوبل في السلام بسبب "جهوده الفائقة من أجل تعزيز العلاقات الدبلوماسية الدولية"، كما وضع حدا لحرب العراق، وركز جهده على سحب قواته من أفغانستان، وفي عهده نفذت العملية العسكرية التي أودت بحياة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الأول من مايو/آيار 2011.
واتخذ في 2010 قرارا تاريخيا بجعل التأمين الصحي إجباريا رغم انقسام آراء الشعب حول القرار.
وفي عهده أيضا زادت حدة الاستقطاب بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل الكونجرس، مما عرقل العديد من مبادرات الطرفين لتحفيز اقتصاد البلاد بعد الأزمة المالية الطاحنة التي عاشتها، لكن ازدهرت في حقبته صناعة السيارات في 2009 ، وسن قانون إصلاح النظام المالي.
ورغم أن إغلاق معتقل جوانتانامو كان من أبرز وعوده الانتخابية، لم يف أوباما بالوعد، كما تزايدت مطالبات الجاليات اللاتينية بإصلاح قوانين الهجرة دون جدوى.
وقفت مجلة (ذا نيويوركر) في صف أوباما وأعلنت دعمه للترشح لفترة ثانية على حساب منافسه الجمهوري ميت رومني، حيث وصفته بالإصلاحي والتقدمي والتنافسي والعقلاني واللبق، لكنها في الوقت ذاته شددت على احترامها الكامل للعدالة وللشرعية عقب إعلان النتيجة، وكذلك كان موقف عمدة نيويورك مايكل بلومبرج.
وغضت المجلة النظر عن اتهامات لأوباما بالعزلة والرضا الدائم عن النفس والسلبية، حتى أنه هو نفسه اعترف بأن من أكثر الأخطاء الفادحة التي ارتكبها خلال السنوات الأربع الماضية هو عجزه عن "التواصل" مع المواطنين بشكل أفضل، وهو ما دفعه إلى التماس "فرصة ثانية" للتكفير عن ذنبه ومضاعفة إنجازاته، والمضي قدما (إلى الأمام) كما كان يقول شعار حملته الانتخابية. (إفي)