غرناطة، 2 يناير/كانون ثان (إفي): تحل اليوم الذكرى السنوية الـ519 على سقوط مدينة غرناطة، آخر معاقل المسلمين بالأندلس، وذلك حين سلم آخر ملوك العرب بالأندلس، أبو عبد الله، الملقب بـ"الصغير" مفتاح المدينة للملك الكاثوليكي فرناندو وعقيلته الملكة ايزابيل في الثاني من يناير من عام 1492.
وفتح المسلمون بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد بلاد الأندلس عام 711 وكانت تحت حكم قبائل القوط آنذاك، ومن يومها أقام المسلمون حضارة مزدهرة ودولة قوية أصبحت منارة للعلم والدين في قلب أوروبا، قبل أن تتهاوى بسبب ضعف حكامها وانكبابهم على السلطة والجاه دون الانتباه لتربص الطامعين بثرواتها.
وكان الضعف والوهن قد أصاب الدولة الإسلامية العظيمة في الأندلس في سنواتها الاخيرة بعد ان استمرت صامدة طيلة ثمان قرون، ما جعل القشتاليون يتربصون بها ويترقبون انهيار آخر ركن بها بعد أن نجحوا في اسقاط ولايات الأندلس الشرقية والوسطى وقرطبة وإشبيلية وغيرها من الولايات الصغيرة، في إطار فصل مغاير من الحملات الصليبية الأوروبية عرف بحروب "الاستراد".
وأدرك فرناندو الخامس وإيزابيل، الملقبان بالملكين الكاثوليك، حينها أن سقوط غرناطة التي كانت عاصمة هذه الحضارة العريقة لأكثر من قرنين يعني انهاء الهيمنة الإسلامية على الأندلس، فعكفا على حصارها لأكثر من تسعة أشهر وبالتحديد منذ الـ30 من أبريل/نيسان 1491.
ونجح الجيش القشتالي في تضييق الخناق على غرناطة من خلال الحصار الذي عانى من ويلاته سكان المدينة الأندلسية، فقطعوا الاتصال عنهم وأتلفوا زروعهم ومنعوا وصول اي امدادات لهم ليعاني سكانها من مجاعة شديدة، ما جعل تسليم مفتاحها السبيل الوحيد للنجاة حفاظا على الأرواح كما كان يرى محمد أبو عبد الله حاكم غرناطة آنذاك.
واختير الوزير أبو القاسم عبد الملك للتفاوض مع الملكين القشتاليين، وانتهى التفاوض بمعاهدة سرية لتسليم غرناطة وقعت فى 25 نوفمبر/تشرين ثان 1491 مع تقديم بعض المنح لأبو عبد الله وأسرته.
وتسربت أنباء هذه المعاهدة السرية بين أهل غرناطة، فظهرت دعوى للدفاع المستميت عن المدينة والنضال حتى الموت، ما دفع الحاكم للاتفاق مع ملكي قشتالة على تسليم المدينة قبل الموعد المحدد ليكون في مثل هذا اليوم قبل 519 عاما.
وتحقق للقشتاليين ما أرادوا، فاقتحموا قصر الحمراء، ورفعوا فوق برجه الأعلى الصليب الفضى الكبير، وأعلن المنادى من فوق البرج أن غرناطة صارت للقشتاليين، لتنطوى الصفحة الاخيرة من تاريخ مجيد كان لدولة المسلمين فى الأندلس امتد بين عامي 711 وحتى 1492.
وكانت غرناطة بشهادة المؤرخين أجمل مدن الأرض في ظل الوجود العربي، وكانت منارة للعلماء والمفكرين والأدباء والشعراء وارباب الفنون، لتقود حضارة الأندلس الثقافية.
ونجح العرب من خلال جو التسامح والتعايش في خلق حضارة نقلت أوروبا من ظلمات العصور الوسطى إلى عصور النهضة والتنوير، لا يزال قصر الحمراء بجدرانه الشاهقة شاهدا حيا عليها.
وكثر في غرناطة إنشاء المدارس ومعاهد العلم، وارتقت الصناعات والفنون، فازدهرت صناعة السفن والأنسجة والورق، والفخار والذهب، وصناعة الحلي، وتطورت صناعة الأسلحة، فظهرت المدافع والبنادق، ويحتفظ متحف مدريد الوطني حتى الآن بنماذج من البنادق التي استعملها المسلمون في دفاعهم عن غرناطة.
واشتهرت غرناطة بطرقاتها وشوارعها الجميلة وميادينها الرائعة وحدائقها البديعة، ولا تزال آثارها باقية حتى يومنا هذا لتشهد على ما بلغته المدينة من رقي ومدنية في حقبة الحضارة الإسلامية.
ويعد قصر الحمراء الأثري الشهير من أعظم الآثار الأندلسية الباقية في غرناطة، وتعود بدايات تشييده إلى القرن الثالث عشر الميلادي أثناء فترة الوجود الإسلامي في الأندلس، كما يعد أهم المعالم السياحية بإسبانيا، فضلا عن روعة حديقة جنة العريف الملحقة به التي تعتبر قصر موازي من النباتات من مختلف الأنواع والأشكال، ويقع على بعد 430 كلم جنوب العاصمة مدريد. (إفي)