أقوى صفقة للعام: انتهز خصم يصل لـ 60% على InvestingProاحصل على الخصم

رواية (حارس الموتى).. رحلة مع الأحياء الأموات تنتهك خصوصية الحرب

تم النشر 31/03/2016, 12:06
رواية (حارس الموتى).. رحلة مع الأحياء الأموات تنتهك خصوصية الحرب

من داليا نعمة

القاهرة (رويترز) - تشوه الحرب كل شيء.. النفس القروية البسيطة.. الحب والمبادئ مهما حاولت تحييدها أو دافعت عن أسباب سقوطها. لا تفرق الحرب بين المارة ولا المقاتلين وراء المتاريس ولا الآمنين في بيوتهم. هي امتحان يفشل فيه الجميع مهما حاولوا النأي بأنفسهم عنه والتنقل على هوامشه. ورواية (حارس الموتى) التي ينقلك مؤلفها اللبناني جورج يرق بين مشاهد الموت الحسي والمعنوي تختصر كل ذلك.

    تبدأ الرواية بصدفة عابرة يعتبرها البطل "مسؤولة عما يعانيه". هو عابر الليطاني القروي البسيط الذي كما غيره الكثير من الشبان في بداية الحرب الأهلية شاء قدره أن يكون في المكان الخطأ والزمان الخطأ لتخرج الأحداث بعد ذلك من بين يديه وتقوده كما الكثيرين غيره بعيدا عن بيوتهم وقراهم وعائلاتهم وتحولهم وقودا لمعارك دامت حتى أضحت روتينا.

يتناول يرق في روايته عن طبقة من المقاتلين كانت مجرد عدد لا يذكرها أحد ولا يتوقف عندها أحد ولم يحاسبها أحد. طبقة كان همها تأمين المأوى والطعام والدخل أو الانتفاع إلى أقصى الحدود فهي لم تدخل الحرب للنضال أو دفاعا عن أفكار أو أرض أو عقيدة رغم ما كانت تزخر به الحرب اللبنانية والفترة التي نشبت فيها من شعارات وصراعات بين المبادئ المختلفة والتوجهات والسياسات الداخلية والإقليمية وحتى الدينية.     

    اختار يرق ما يمكن وصفه "بأعواد ثقاب" الحرب ليكونوا شخصيات روايته الذين كانوا الوسيلة وشهدوا من الحرب أسوأ ما فيها وأخرجت الحرب أسوأ ما فيهم.

    جل ما كان يريده عابر الليطاني في قريته الوادعة أن يصطاد طائر المطوق لكن دوامة الطائفية والعصبية قادته إلى رحلة أدخلته الحرب لسبب نفعي تماما رافقه طيلة رحلته فيها بعد ذلك وهو توفير المأوى والطعام.

    "الأعمار ملك صاحبها تعالى .. ولا أحد يموت قبل ساعته" قولان تلفظ بهما عابر في بداية الرواية وتابع مدافعا عن قضيته وصورته أمام القارئ "أكررهما على غرار الكثير من الناس خصوصا أولئك الذين يرفضون الحرب والقتل لكنهم مرغمون على العيش في ظلالهما على قاعدة مكره أخوك لا بطل."

    رحلة استكشاف عابر القروي للمدينة التي تأكلها الحرب تعيد القارئ الذي عاشها إلى مشاهد مختلفة وتستمتع بمرافقته خلال النهار عند "عالم الأرصفة.. المزيج من المتناقضات الصارخة" حتى يحل الليل "عدو الغرباء" فتتنقل معه قلقا بين السيارات والملاجئ ومداخل الأبنية.

    لا يمر الربع الأول من الرواية إلا ويكون عابر قد اختار الطريق الأسهل للنجاة خلال أي حرب .. أن يكون جزءا منها .. صيادا لا طيرا. من اللحظة الأولى لدخوله الميليشيا يبدأ عابر بتبرير لنفسه "أتدرب على القنص لكي أتفادى القتل .. ولأن علي فعل ذلك حتى لا أعود متشردا."

    هي أمور ربما لا تقنع من عاش الحرب وقرأ عنها. فالخوف من التشرد لا يكفي لتبرير ارتكاب فعل المشاركة في الحرب.

    على مر الصفحات التالية تتوالى اللوحات التي تتكرر في يوميات الحرب ورواية فظاعاتها من فظاعة القناصين .. بعضها مألوف للقارئ اللبناني وبعضها أقل بكثير مما سمعه وشاهده.    انغماس المقاتلين في العبث والنفعية التي لا ترحم الراهبات والمستشفيات فضلا عن مثلث المخدرات والجنس والدم تأخذك في سرد يصبح مملا بعض الشيء لمن ألف هذه الصور واطلع على أدب الحرب اللبنانية.   

    في منتصف الرواية تستوقف القارئ اللبناني على وجه الخصوص وربما كل من شهد حربا عبارة يختم فيها فصلا يروي قمة عبث المقاتلين "كان الضجر أحد أسباب استمرار الحرب" .. ستصدمه الكلمات..  وربما يتوقف عندها كثيرا ويقلب في لحظات صفحات دفاتر الذكريات السياسية وكل أرشيف ذاكرته عن الحرب الأهلية لبحثا عن ما يسند هذه الفكرة التي لم تخطر على بال من قبل ولو كانت صحيحة لفاقت كل وحشية.

   لكنك تعود لتدرك وتطمئن نفسك أن الضجر قد يطيل معركة لكنه لا يطيل حربا وأن ما جرى طيلة سنوات طويلة كان أكثر تشعبا وتعقيدا من مجرد ضجر مقاتلين حشاشين أو ثملين وراء متراس.

    في الثلث الأخير نصل مع عابر إلى محطته الأهم في براد الموتى (ثلاجة المشرحة) حيث يتعلم "المهنة" وحيث يبرع الكاتب في الوصف والتفصيل إلى دفع القارئ إلى التقزز وترك الرواية لوقت قصير قبل العودة إليها سريعا.

    ما يشعر به القارئ من تقزز ليس حيال مشاهد الموت فقط بل من عابر الذي كان من المفترض أن يكون "حارس الموتى" لكنهم كانوا على ما يبدو حراسه كما قال "كان الموتى يحمونني" بصمتهم وسكوتهم عن انتفاعه منهم وسرقتهم وانتهاك حرمتهم وحتى اشتهائهم.

    نهاية الرواية لا تبدو مفاجئة.. وربما من سخرية القدر أن يكون المشهد الأخير مطابقا تقريبا للمشهد الأول.. الضحية المصابة النازفة التي تراقب العابرين بلا حول أو قوة.. تظن لوهلة أن عابر سيعود لبراد الموتى الذي تماهى معه ومع زائريه قبل أن تنبهك لهجة المخاطب أنه عاش ليروي.   

    (حارس الموتى) رواية لا تشبه ما سبقها رغم تكرار تناول الحرب الأهلية في الأدب اللبناني وغيره وهي تقع في 304 صفحات من القطع الصغير ويستخدم فيها الكاتب لغة بسيطة سلسة تتخللها بعض تعابير العامية اللبنانية المستخدمة في مكانها المناسب ويصحبها دوما توضيح يرق لمعناها.

    صدرت الرواية عن دار (منشورات ضفاف) ووصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) التي ستعلن في 26 أبريل نيسان في أبوظبي عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

    وتضم القائمة خمسة أعمال أخرى بجانب الرواية. وتبلغ قيمة الجائزة المالية 50 ألف دولار أمريكي.

(تحرير سيف الدين حمدان) OLMEENT Reuters Arabic Online Report Entertainment News 20160331T090632+0000

أحدث التعليقات

قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2024 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.