من إد كروبلي
لواندا (رويترز) - منذ شهر مضى غادرت شحنة حجمها 17 طنا من الموز أنجولا متجهة إلى البرتغال فيما وصفتها وسائل إعلام حكومية بأنها "أول دفعة رمزية" على طريق انتعاش قطاع الزراعة الذي دمرته الحرب الأهلية.
لكن الحرب انتهت منذ 14 عاما ومنذ ذلك الحين تتجاهل أنجولا الزراعة وآثرت بدلا من ذلك الاعتماد على إيرادات النفط والواردات التي تشتريها. والآن ومع هبوط أسعار الخام لأقل من نصف مستوياتها قبل عامين يبدو أن البلاد قد أصيبت بالشلل التام.
فأنجولا أكبر منتج للنفط في أفريقيا تحتاج إلى أكثر من مجرد شحنة من الفاكهة لحل أزمة مالية واقتصادية تفاقمت بسبب أزمة صحية وأظهرت فشل شعار "التنويع" الذي تبناه الرئيس خوسيه ادواردو دوس سانتوس الذي يحكم البلاد منذ 37 عاما.
وحولت الثروة النفطية أنجولا إلى ثالث أكبر اقتصاد في منطقة جنوب الصحراء بإفريقيا وإحدى الدول القليلة في القارة السمراء "ذات الدخل الأعلى من المتوسط". لكن فيما وراء الشاطئ الساحلي للعاصمة الذي يشبه ساحل دبي تبدو المشكلات واضحة للناظرين.
فهناك رافعات معطلة فوق مبان إدارية خرسانية غير مكتملة في لواندا بينما تتراكم القمامة في الشوارع دون أن تجد من يجمعها نتيجة لخفض ميزانية البلدية هذا العام في محاولة لموازنة الدفاتر.
وتشكل تلك القاذورات مناخا ملائما لانتشار الحشرات والذباب والمرض ويقول خبراء الصحة إنه ليس من قبيل الصدفة أن يبدأ ظهور وباء الحمى الصفراء في أحد الأحياء الفقيرة في لواندا في ديسمبر كانون الأول ثم انتشاره في أرجاء البلاد وخارجها حتى وصل إلى الصين.
وقال رجل الأعمال أنطونيو بوبي البالغ من العمر 58 عاما "لواندا باتت قذرة ومثيرة للاشمئزاز. الحكومة لا تفعل شيئا. لا توجد مسؤولية. يمكنك أن ترى الفئران. إنها كبيرة."
وفي مقدمة المشكلات يأتي شح العملة الصعبة الذي يجعل من الصعب على أي فرد القيام بأنشطة أعمال إلا من يتمتعون بصلات جيدة. وقال بوبي "إذا كان لديك أصدقاء.. أصدقاء في الحكومة.. فإنك تستطيع الحصول على الدولارات. وإذا لم يكن لديك فلن تستطيع شيئا."
وأضاف "نأمل في أن يتغير الموقف لكن في الوقت الحاضر لا يوجد أي ضوء في نهاية النفق."
وقبل الاستقلال عن البرتغال في عام 1974 كانت أنجولا مصدرا رئيسيا للفاكهة والبن. ثم دخلت البلاد بعد ذلك في صراع استمر 20 عاما وتسبب في تدمير الزراعة التجارية. ومنذ عودة السلام في 2002 أدت مشكلات من بينها حقول ألغام لم يتم تطهيرها في مناطق زراعة قصب السكر وتشريد العمال القرويين إلى عرقلة الجهود الرامية لإحياء القطاع.
وبينما استطاعت أنجولا إعادة تشييد بنية تحتية مثيرة للإعجاب لم يتسن لأي صناعة إنتاجية أن تنطلق بعيدا عن النفط الذي اعتمدت عليه البلاد في تحقيق نمو اقتصادي سريع.
وتنتج أنجولا الآن 1.8 مليون برميل يوميا من النفط من حقولها البحرية وهي أكبر مورد للخام إلى الصين. لكن جني هذه الإيرادات النفطية له ثمنه.
فالنفط يشكل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و70 في المئة من إيرادات الحكومة و95 في المئة من دخل النقد الأجنبي وهو ما يجعل البلاد التي يقطنها 25 مليون نسمة تتأثر بشدة بالتقلبات في أسواق النفط العالمية.
ومع وصول أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل متراجعة من أكثر من 100 دولار في منتصف 2014 أصبحت أنجولا متعطشة للدولارات. وتباطأ النمو إلى ثلاثة في المئة - وهو ركود تقريبا بالمعايير المحلية - بينما انهارت العملة الوطنية وارتفع التضخم في بلد يستورد كل شئ تقريبا إلى 29 في المئة على أساس سنوي في مايو أيار.
وبالنسبة لدوس سانتوس الذي يبلغ من العمر 73 عاما - وهو مهندس نفطي تدرب في الاتحاد السوفيتي السابق وينظر إليه باعتباره ركيزة الاستقرار في البلاد في فترة ما بعد الحرب - فإن توقيت الأزمة المزدوجة لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك حيث اندلعت الأزمتان قبل الانتخابات بعام وقبل عامين من موعد تقاعد الرئيس على حد قوله.
وقال باولو روك الخبير بشؤون أنجولا لدى جامعة أوكسفورد في بريطانيا "تتكشف هشاشة الدولة التي أقامها دوس سانتوس بعد انتهاء الصراع.
"كل الكلام الرنان الذي يقال عن ‘نهضة أنجولا‘ لم يعد مقنعا."
وتخلت الحكومة اليائسة عن كبريائها وطلبت المساعدة من منظمة الصحة العالمية لمكافحة الحمى الصفراء لكن صندوق النقد الدولي قال الأسبوع الماضي إن لواندا اختتمت محادثات حول حزمة إنقاذ مالي كبيرة.
ولم تعلق الحكومة ولم يرد وزير المالية أرماندو مانويل على طلبات بإجراء مقابلة.
وبجانب الحمى الصفراء أظهرت مؤشرات قليلة أن عملة أنجولا الكوانزا فقدت ما يزيد عن 40 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في العام الماضي بسعر الصرف الرسمي الذي يحدده البنك المركزي.
وسعر الصرف الرسمي البالغ 165 كوانزا مقابل الدولار متاح فقط لعدد قليل من الأفراد والشركات الذين يحالفهم الحظ لكن المواطنين العاديين عليهم أن يعتمدوا على السوق السوداء للحصول على الدولارات حيث بلغ سعر الدولار نحو 570 كوانزا.
وقال ناديو ميدينا (26 عاما) الذي اعتاد استيراد سيارات مستعملة من جنوب أفريقيا "أصبح الأمر في غاية الصعوبة على كل من يستوردون أي سلعة من الولايات المتحدة أو جنوب أفريقيا." ويقوم ميدينا الآن ببيع البيض بالجملة لأكشاك بيع البرجر في الشوارع.
وفي اعتراف صريح على غير المعتاد الشهر الماضي أقر دوس سانتوس بأن شركة النفط الحكومية سونانجول وهي الدعامة الرئيسية للاقتصاد ومصدر جميع الإيرادات الدولارية تقريبا لم تضع سنتا في خزائن الدولة منذ يناير كانون الثاني.
وقال "يعتمد بلدنا على الواردات.. نستورد الغذاء والمواد الخام للمصنعين الوطنيين وللصناعة والزارعة والبناء. نحتاج إلى تصنيع منتجات أخرى لنصدرها بجانب النفط. تلك مهمة استراتيجية."
لكن بعيدا عن الكلمات الرنانة فإن سونانجول هي الشئ الوحيد الذي قد يشهد تغييرا.
وفي الشهر الماضي عين دوس سانتوس ابنته إيزابيل - 43 عاما - رئيسة تنفيذية لسونانجول وهو ما أثار انتقادات بالمحسوبية أطلقها موقع ماكا أنجولا الإلكتروني لمكافحة الفساد.
وفي العام الماضي على سبيل المثال سجن 17 عضوا في أحد أندية القراءة برواندا بسبب قراءة مجلد وصف بأنه "مخطط لمقاومة سلمية ضد الأنظمة القمعية".
وأصرت إيزابيل دوس سانتوس - التي قالت مجلة فوربس إنها أغنى نساء أفريقيا - على أن تعيينها يتعلق فقط بإحداث تغييرات في سونانجول ولا علاقة له بخطة لخلافة دوس سانتوس كما يزعم المعارضون لوالدها.
وقالت لرويترز في مقابلة موضحة هدفها الرئيسي وهو إنتاج مزيد من النفط بأموال أقل "لا يتعلق الأمر بالسياسة. عينت في هذا المشروع نظرا لخبرتي التي اكتسبتها من أنشطة القطاع الخاص."
وأشادت شركتا النفط الأجنبيتان شيفرون وبي.بي بخطط إيزابيل التي تتضمن تعيين بوسطن كونسلتنج جروب وبرايس ووتر هاوس كوبرز كمستشارين والتخارج من أنشطة سونانجول العقارية والمصرفية ووحدات الطيران للتركيز على الأنشطة النفطية.
ويرى الكثيرون أن الإصلاح يبدو أوضح علامة حتى الآن على أن الرئيس دوس سانتوس يستعد حقيقة للتقاعد لكن ليس بالضرورة لإفساح المجال لابنته.
وقال أليكس فينيس رئيس برنامج أفريقيا لدى شاثام هاوس للبحوث في لندن "إن الأمر لا يتعلق بأن تصبح إيزابيل رئيسة... يعتمد النظام على سونانجول. إنها الأوزة التي تبيض ذهبا ويرجع السبب وراء تعيينها إلى أن الشركة تحتاج إلى إصلاح حقيقي."
(إعداد علاء رشدي للنشرة العربية - تحرير عبد المنعم درار)