على ما يبدو وأن الاوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة تحسنت مؤخرا ولكن بشكل نسبي وتدريجي، وذلك مع صدور بيانات رئيسية تعكس مدى تحسن قطاعات اقتصادية مختلفة، إذ صدر اليوم عن الاقتصاد الأمريكي تقرير طلبات البضائع المعمرة عن شهر كانون الثاني مرتفعة ولكن فشلت في الوصول إلى توقعات الأسواق، في حين أظهر تقرير طلبات الإعانة الأمريكية انخفاضا في وتيرة تقديم الطلبات خلال الأسبوع الماضي.
واضعين بعين الاعتبار عزيزي القارئ بأن يوم غد الجمعة سيشهد صدور القراءة الثانية من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بالنسبة للربع الرابع من العام المنصرم، والذي من المتوقع أن يظهر نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 3.3% أي بأفضل مما سبق بشكل بسيط، ولكن لا تزال مستويات الثقة في الأسواق العالمية مهزوزة على إثر تداعيات الأزمة السياسية في ليبيا والتي تشهد سيطرة المتظاهرين على شتى أنحاء ليبيا مطالبين بتنحي الرئيس الليبي معمر القذافي.
هذا مع العلم أن ليبيا تحتكم على 41.5 مليار برميل نفط كإحتياطي نفط، الأمر الذي يجعلها تتصدر الدول الإفريقية في هذا المجال، وفي خضم الأزمة السياسية عزيزي القارئ فقد تعطلت إمدادات النفط الخام، الأمر الذي أسفر عن ارتفاع أسعار النفط الخام إلى فوق مستويات 100 دولار وهو أعلى مستوى منذ شهر تشرين الثاني للعام 2008.
وبالعودة إلى البيانات الرئيسية الصادرة عن الاقتصاد الأكبر في العالم فنشير بأن وزارة التجارة الأمريكية اصدرت اليوم تقرير طلبات البضائع المعمرة عن شهر كانون الثاني، حيث أشار التقرير أن الطلبات ارتفعت بنسبة 2.7% مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى -0.4% ولكن بأدنى من التوقعات التي بلغت 2.8% كارتفاع، أما طلبات البضائع المعمرة والمستثنى منها المواصلات فقد انخفضت خلال الشهر نفسه بنسبة -3.6% مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 3.0% وبأسوأ من التوقعات التي بلغت 0.5% كارتفاع.
إنما أظهرت المؤشرات الفرعية أن طلبات البضائع الرأسمالية ارتفعت بنسبة 7.7% مقابل -3.6% خلال كانون الثاني، بحيث ارتفعت طلبات البضائع الرأسمالية المستعملة لأغراض غير دفاعية بنسبة 4.6% مقابل -3.4%، أما طلبات المنتجات الدفاعية فقد ارتفعت بنسبة 31.5% مقابل انخفاض نسبة -4.8%.
كما أشار التقرير أن النقل والمواصلات ارتفعت بنسبة 27.6% خلال كانون الثاني مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت -11.9%، في حين ارتفعت الشحنات بنسبة 0.3% مقابل 2.3%، أما المخزونات فقد شهدت ارتفاعا بنسبة 0.7% خلال شهر كانون الثاني مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 0.8%.
ومع ذلك والتمحيص في التقرير الصادر نجد بأن طلبات البضائع المعمرة لا تزال ضعيفة وذلك على الرغم من الارتفاع، حيث أن الطلبات على المنتجات التي تعكس قابلية إنفاق المستهلكين لا تزال ضعيفة، مشيرين إلى أن الارتفاع تمركز في النقل والمواصلات وأمور لا تشكل مرآة لمدى قابلية المستهلكين للإنفاق، وبالتالي فإن الأوضاع لا تزال ضمن مرحلة البحث عن الاستقرار الفعلي والتام.
وبالانتقال إلى تقرير طلبات الإعانة الأسبوعية فقد أظهر التقرير انخفاضا في وتيرة تقديم الطلبات للأسبوع المنتهي في التاسع عشر من شباط لتصل إلى 391 ألف طلب مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 413 ألف طلب وبأفضل من التوقعات التي بلغت 405 ألف، في حين انخفضت طلبات الإعانة المستمرة للأسبوع المنتهي في الثاني عشر من شباط إلى 3790 ألف مقارنة بالقراءة السابقة التي تم تعديلها إلى 3935 ألف وبأفضل من التوقعات التي بلغت 3880 ألف طلب.
واضعين بعين الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يرزخ تحت العقبات التي تتمثل في أوضاع التشديد الائتماني ومعدلات البطالة المرتفعة التي لا تزال تحوم حول أعلى مستوياتها منذ حوالي ربع قرن، مشيرين إلى أن ذلك يبقى ضغطا على مستويات الدخل وبالتالي على مستويات الإنفاق، مما ينعكس على نمو الاقتصاد، وذلك باعتبار أن مستويات الإنفاق لدى المستهلكين يمثل حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
ولكن لا يزال الاقتصاد بحاجة للمزيد من الوقت ليحقق الاستقرار التام والتعافي الكلي، وبالتالي من المتوقع أن نشهد استمرارية في السير على خطى التعافي التدريجي في النشاطات الاقتصادية في القطاعات الرئيسية خلال الفترة المقبلة، وذلك إلى أن يصل إلى مرحلة الاستقرار الجزئي...