انطلقت الجولة الثانية من البيانات الصادرة عن الاقتصاد الأمريكي لتؤكد بأن مرحلة التعافي للاقتصاد مستمرة ولكن ضمن وتيرة بطيئة وتدريجية، هذا مع العلم أن الجولة الأولى من البيانات التي صدرت مبكراً المتمثلة في طلبات الإعانة الأمريكية أظهرت مواصلة نزيف قطاع العمالة الأمريكي.
في حين صدر منذ قليل مؤشر فيلادفيا الصناعي ليويظهر توسع الأنشطة خلال شهر تموز/ يوليو إلى 3.2 مقارنة بالانخفاض السابق الذي بلغ 7.7 وبأفضل من التوقعات التي بلغت 2.0، مشيرين إلى أن الأوضاع في قطاع الصناعة تكاد تكون الأفضل في الاقتصاد وذلك بالمقارنة مع نشاطات قطاعات الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.
إلا أن الأوضاع الإجمالية في الاقتصاد الأمريكي لا تزال ضعيفة مؤكدة على أن مرحلة التعافي ستأخذ وقتاً أطول مما كان متوقعاً، واضعين بعين الاعتبار أن قطاع الصناعة الأمريكي واجه تباطؤاً خلال الفترة الأخيرة متأثراً بالضغوطات الداخلية والخارجية.
وبالنظر إلى المؤشرات الفرعية داخل التقرير نجد بأن الأسعار المدفوعة ارتفعت إلى 25.1 مقابل 26.8، في حين انخفضت الأسعار المقبوضة لتصل إلى 1.1 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 4.4، أما بالنسبة للطلبات الجديدة فقد ارتفعت خلال تموز/ يوليو إلى 0.1 مقابل -7.6، وقد ارتفعت المخزونات إلى 1.4 مقابل -8.5، بينما ارتفع معدل التوظيف إلى 8.9 مقابل 4.1.
وبالعودة إلى أجندة البيانات الرئيسية الصادرة نجد بأن المؤشرات القائدة ارتفعت خلال شهر حزيران/ يونيو بنسبة 0.3% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 0.8% وبأعلى من التوقعات التي بلغت 0.2%، مشيرين إلى أن المؤشرات القائدة تعنى بالتطلعات المستقبلية لأنشطة الاقتصاد ولفترة ما بين ثلاث إلى ستة شهور قادمة.
وهذا ما يدعم فكرة الفدرالي الأمريكي والسيد برنانكي وذلك أن الاقتصاد الأمريكي سيكمل مرحلة نموه ولكن ضمن وتيرة معتدلة وتدريجية، وذلك في خضم مواجهاته مع العقبات الداخلية التي تتمثل في معدلات البطالة المرتفعة وأوضاع التشديد الائتماني بالإضافة إلى العقبات الخارجية التي تتمثل تدني مستويات الثقة التي تنعكس على قابلية المستهلكين للإنفاق وذلك نتيجة أزمة المديونية الأوروبية.
وكنّا قد أسلفنا في تقريرنا السابق عن الضغط الجديد الذي بدأ بالظهور على الساحة الأمريكية، وهي تتمثل في المديونية الأمريكية، فقد شهدنا مؤخراً صراع يدور بين الديمقراطيين والجمهوريين حول قرار رفع سقف المديونية الأمريكية، واضعين بعين الاعتبار أن هذه المشكلة باتت من أولى اهتمامات المحللين على مستوى العالم.
حيث يعتبر الكثير بأن مسألة تحذير وزارة الخزانة الامريكية من أن أموالها ستنفد وقد تعجز عن سداد الديون ما لم يتم رفع سقف الاقتراض الحكومي البالغ بالأصل 14.3 تريليون دولار إنذار بهزة أخرى للاقتصاد العالم، هذا مع العلم أيضا بأن الجمهوريين يواصلون حربهم على خطط اوباما الذي يعتبرونهم ليبرالي كثير الإنفاق.
ولكن من الناحية الأخرى عزيزي القارئ فقد أقر مجلس النواب الأمريكي أمس الأربعاء خطة قدمها الجمهوريون تتمثل في خفض الإنفاق الفدرالي بمقدار 6 تريليون دولار أمريكي، مطالبن الكونجرس الأمريكي بأن يجري تعديلات على قانون الميزانية بدلا من اللجوء إلى رفع سقف الديون، ولكن على الرغم من ذلك إلا أنه من المتوقع أن يتم رفض تلك الخطة من قبل الكونجرس الأمريكي الذي يحظى بغالبية ديمقارطية.
وهنا نشير بأن هذه الضغوطات الداخلية الكبيرة بالإضافة إلى تلك الضغوطات الخارجية أسفرت عن تباطؤ عجلة التعافي الأمريكية، وهذا ما يثبت بأن مرحلة الانتعاش ستأخذ وقتاً أطول مما كان متوقعاً، وإلى ذلك الحين سيبقى الاقتصاد في مواجهة صعبة إلى أن تعود المياه إلى مجاريها...