من علي حشيشو وعصام عبد الله
صيدا (لبنان) (رويترز) - ترمم الحمامات القديمة نفسها من جيل إلى آخر دون أن تغتسل بالحداثة لتحافظ على تراث الأجداد..
وعلى إيقاع زمني سريع ومتشح بفوضى التطور، تعود مدينة صيدا الواقعة في جنوب لبنان إلى عصر "الليف والصابون" وبخار الماء والاغتسال بما يسمى بالحمامات التركية التي تقاوم للبقاء.
ولطالما انتشرت هذه الحمامات في لبنان ما قبل الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 لا سيما في صيدا وبيروت وطرابلس بشمال البلاد. وتحولت تلك الحمامات خلال الحرب وبعدها إلى مواقع أثرية لكونها أنشئت في بيوت وقصور وأقبية تاريخية في حقبة الحكم العثماني بلبنان.
الآن أصبح دخول الحمامات التركية مجرد ترف، ولكن في السابق كان حمام السوق ضرورة للسكان الفقراء إذ لم تكن المياه متوفرة في البيوت، كذلك لم تكن الكهرباء اللازمة لتسخين المياه قد اكتُشفت بعد، فكان الناس يقصدون هذه الحمامات التي تعمل على الحطب أو السماد الحيواني للاستحمام. وكان النهار مخصصا للنسوة وأولادهن ممن هم دون السابعة إن كانوا ذكورا، والمساء للرجال فيتبدل طاقم العمل من نسائي إلى رجالي.
ويسعى جيل الأبناء لاستعادة الصورة الشعبية للحمامات التركية التي أسسها آباؤهم وأجدادهم.
ويحرص مصطفى قطيش (58 عاما) صاحب (حمام الورد) في صيدا القديمة على ترسيخ اسم والده من خلال الحفاظ على التسمية ويقول لرويترز "لكي لا يذهب تعب أبي وشغل أبي سدى حاولت قدر المستطاع أن أحافظ عليه وأبقيه كما هو وأن أشغله على أساس أن يبقى اسم أبي موجودا. مثلا يقولون حمام زين العابدين قطيش وليس حمام مصطفى قطيش، عرفت كيف، اسم الوالد يجب أن يبقى موجودا".
وقال قطيش، وهو أب لثلاثة أطفال، إن حمام الورد يخضع لعملية ترميم وإنه استثمر نحو 40 ألف دولار لتجديده لكنه استثمار يستحق. وهو يأمل أن يستقبل حمام الورد الزوار في غضون شهر.
وإلى جانب حمامات الورد، كانت صيدا قبل عشرات الأعوام تشهد على نهضة الحمامات المنتشرة في أحيائها القديمة وبينها حمام الشيخ وحمام الزقليط وحمام السبع بنيات وحمام الجديد وغيرها من الأسماء.
ولكن عددا قليلا من تلك الحمامات لا يزال يعمل في مدينة صيدا الجنوبية ومن بينها (حمام الشيخ) الذي يرحب بالضيوف.
وعندما كان الصياد نبيه بوجي البالغ من العمر 70 عاما طفلا صغيرا كان يذهب مع والدته إلى الحمامات النسائية. وهو الآن يزور بيوت الحمامات التركية من وقت لآخر مع أصدقائه ويقول إنه يشعر بالدفئ لدى زيارته تلك البيوت.
يقول "الحمامات تاريخ. أغلب العالم بتحب الحمام، بتنبسط بالحمام، في دفى للقلب، وفي يقعد الواحد على بلاط النار، إذا كان عنده شي هيكي، بيقعد على بلاط النار بينبسط، يعني هيدي شغلة الحمام. نحن خسرناها هلأ".
وعلى مدى السبعة عشر عاما الماضية ظل عدنان يعمل في الحمامات التركية وهو يحفظ خطوات خدمة الزملاء عن ظهر قلب.
ومن طقوس الحمامات التركية في صيدا والتي لا تتغير مع الزمن التدليك والجلوس على ما يسمى (حجارة النار) لإراحة عضلات الجسم ومن ثم اقتلاع اللحم الميت من الأظافر وبعض أنحاء الجسم.
ويلف الزبائن أنفسهم بأقمشة خاصة ويغادرون غرف البخار لتناول العشاء واحتساء الشاي وتدخين النرجيلة.
لكن يونس سلوم، وهو زائر لأحد الحمامات، يشرح بحسرة كيف تضاءل وجود هذه الظاهرة ويقول لرويترز "عدد الحمامات التركية بلبنان صار تعداده أقل من أصابع اليد. كان في السابق في حمامات كتير، هلأ (الآن) قلوا. من وقت لوقت حلو الواحد يتذكر الأشياء القديمة والأشياء الماضية وخاصة الحمام التركي".
ويقول عمر حيدر، أحد علماء الآثار في صيدا، إن معظم الحمامات تعود إلى القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر.
(حمام الورد) هو الأكثر حداثة، ويعود إلى القرن الثامن عشر حيث الهندسة المعمارية الرائعة والمداخل المقوسة والجدران الحجرية القديمة والمدخنة الطوبية المنتصبة والقباب المحدبة المزينة بالزجاج الملون.
وتتميز الحمامات بنظام إضاءة طبيعية حيث ينسلُّ نور الشمس عبر الفتحات الزجاجية الملونة في أعلى القباب.
(إعداد ليلى بسام للنشرة العربية - تحرير أمل أبو السعود) OLMEENT Reuters Arabic Online Report Entertainment News 20190124T141802+0000