دبي/اسطنبول (رويترز) - قال النائب العام بالسعودية يوم الخميس إن النيابة العامة تلقت معلومات من الجانب التركي تشير إلى أن المشتبه بهم في واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي "أقدموا على فعلتهم بنية مسبقة"، وهو ما يناقض بيانات رسمية سابقة بأن القتل لم يكن متعمدا.
وقوبل قتل خاشقجي، وهو كاتب مقال في صحيفة واشنطن بوست ومن منتقدي الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بإدانات دولية وتفاقم الأمر إلى أزمة كبيرة بالنسبة للمملكة.
جاء إعلان النائب العام السعودي بعد أن استمعت جينا هاسبل مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) لتسجيل صوتي للحادث أثناء زيارتها لتركيا هذا الأسبوع. ومن المقرر أن تطلع هاسبل الرئيس دونالد ترامب على تفاصيل الحادث في وقت لاحق يوم الخميس.
ونفى مسؤولون سعوديون في بادئ الأمر أي ضلوع في اختفاء خاشقجي ثم ألقوا باللوم في موته يوم الثاني من أكتوبر تشرين الأول داخل القنصلية السعودية باسطنبول على محاولة فاشلة لإعادته إلى المملكة.
وعبرت تركيا وحلفاء الرياض من الدول الغربية عن شكوك عميقة بشأن التفسيرات السعودية لعملية القتل، ورفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محاولات سعودية لتحميل عناصر مارقة مسؤولية ما حدث وحث المملكة على السعي للوصول للمسؤولين عن القتل "من أسفل السلم إلى أعلاه".
وجاء في بيان من النائب العام بالسعودية يوم الخميس "وردت إلى النيابة العامة معلومات من الجانب التركي الشقيق من خلال فريق العمل المشترك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية الشقيقة تشير إلى أن المشتبه بهم في تلك الحادثة قد أقدموا على فعلتهم بنية مسبقة".
وأضاف البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية "النيابة العامة تواصل تحقيقاتها مع المتهمين في ضوء ما وردها وما أسفرت عنه تحقيقاتها للوصول إلى الحقائق إن شاء الله واستكمال مجريات العدالة".
ويعتقد مسؤولون أتراك أن خاشقجي (59 عاما) قتل داخل القنصلية على أيدي فريق من أفراد المخابرات السعودية وجرى تقطيع جثمانه. وتقول مصادر تركية إن السلطات تملك تسجيلا صوتيا يُعتقد أنه يوثق عملية القتل.
كانت صحيفة يني شفق الموالية للحكومة التركية قالت، مستندة إلى التسجيل الصوتي، إن قتلة خاشقجي عذبوه بقطع أصابعه أثناء استجوابه ثم قطعوا رأسه بعد ذلك.
وقالت مصادر لرويترز إن هاسبل استمعت لتسجيل صوتي لعملية قتل خاشقجي لكن لم يتضح ما سمعته. ورفض ممثلون لوكالة المخابرات المركزية والمخابرات التركية التعليق.
وهذا أول مؤشر على أن أنقرة أطلعت أطرافا أخرى على دليلها الرئيسي في التحقيق.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للصحفيين يوم الخميس "قدمنا لأولئك الذين سعوا إلى معلومات إضافية بعض المعلومات والنتائج التي سمح لنا المدعي العام بتقديمها والتي يمكن إطلاع الغير عليها من الناحية القانونية".
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن ترامب، أقوى حليف غربي للسعودية، قوله إن ولي العهد السعودي باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة يتحمل المسؤولية النهائية عن العملية التي أفضت إلى مقتل خاشقجي.
* إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية
واحتجزت السعودية 18 شخصا وأعفت خمسة من كبار المسؤولين الحكوميين من مناصبهم في إطار التحقيق في مقتل خاشقجي. وقالت مصادر أمنية تركية إن بعض هؤلاء كانوا ضمن الفريق المؤلف من 15 شخصا المشتبه بهم في عملية القتل، وينتمي الكثير منهم للمخابرات السعودية، توجهوا إلى اسطنبول قبل ساعات من موت خاشقجي.
وقالت شبكة (سي.إن.إن ترك) التلفزيونية إن الشرطة التركية تفحص عينات مياه أُخذت من بئر بالقنصلية يوم الخميس بعد أن مُنعت في البداية من الوصول إليها.
كان العاهل السعودي الملك سلمان الذي أوكل إلى ابنه الأمير محمد إدارة الشؤون اليومية للمملكة قد أمر يوم السبت بإعادة هيكلة جهاز المخابرات العامة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية في بيان منفصل أن الأمير محمد رأس الاجتماع الأول للجنة إعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة.
وتعهد ولي العهد السعودي يوم الأربعاء بتقديم قتلة خاشقجي للعدالة، وذلك في أول تصريحات علنية له عن القضية.
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قتل خاشقجي بأنه "جريمة وحشية" وطالب الرياض بمعاقبة المسؤولين عن الأمر مهما كان موقعهم.
وقال وزير الخارجية التركي إن تركيا لا تنوي إحالة القضية إلى محكمة دولية لكنها ستقدم معلومات في حالة إجراء تحقيق دولي.
* نبرة تحد
تسببت الأزمة في توتر علاقات الرياض مع الغرب، التي تتمحور حور الأمن في الشرق الأوسط وإمدادات النفط، ودفعت عشرات من المسؤولين الغربيين والمصرفيين العالميين والرؤساء التنفيذيين للشركات إلى مقاطعة المؤتمر الذي يستمر لثلاثة أيام.
لكن الأمير محمد قال بنبرة تحد لمستثمرين دوليين يوم الأربعاء إن الضجة المثارة بشأن مقتل خاشقجي لن تعرقل المملكة عن مسعى الإصلاح.
وقال وسط تصفيق الحضور "سوف نثبت للعالم بأن الحكومتين (السعودية والتركية) متعاونتان لمعاقبة أي مجرم وأي مذنب والعدالة في الأخير سوف تظهر".
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إن الرياض وقعت صفقات خلال المؤتمر بقيمة 56 مليار دولار رغم المقاطعة الجزئية، وإن المملكة تتوقع أن تظل الولايات المتحدة شريك أعمال رئيسيا لها.
ووصفت بريطانيا، وهي مصدّر كبير للسلاح للمملكة مثل الولايات المتحدة، رواية الرياض لملابسات مقتل الصحفي جمال خاشقجي في تركيا بأنها تفتقر للمصداقية. وقالت فرنسا إنها ستدرس فرض عقوبات على السعودية إذا أثبتت أجهزة مخابراتها أن المملكة وراء مقتل خاشقجي.
أما إدارة ترامب وصناعة الدفاع الأمريكية فتهرعان لإنقاذ الصفقات الفعلية القليلة ضمن حزمة صفقات عملاقة لبيع أسلحة للسعودية بقيمة 110 مليارات دولار.
(إعداد أحمد حسن للنشرة العربية - تحرير نادية الجويلي)