إلياس بن آروش.
القدس، 12 أبريل/نيسان (إفي): تشكل القبة الحديدية التي طورتها إسرائيل لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى وقذائف المدفعية نقلة نوعية في منظومة الدفاع الإسرائيلية، لكن الحديث عن تغيير بموازين القوى بالمنطقة يعد سابق لأوانه.
لم يخفي القائمون على تطوير هذا النظام الدفاعي الذي يعد الأول من نوعه في العالم بواقع الأمر ارتياحهم لنجاحه في أول تجربة له أثناء التصعيد الأخير بين الكتائب الفلسطينية في قطاع غزة والجيش الاسرائيلي خلال الأيام الماضية، حتى أن كبار الساسة هرعوا لالتقاط الصور مع إحدى البطاريتين اللتين تشكلان المنظومة.
وخلال تفقده لإحدى بطاريات المنظومة الدفاعية في جنوب مدينة عسقلان، التي عانت طوال السنوات الماضية من الصواريخ الفلسطينية، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو "الإنجاز التكنولوجي مثير للإعجاب...إسرائيل شقت طريقا جديدا".
وكان الجيش الاسرائيلي قد نشر البطارية الثانية في مدينة بئر سبع بصحراء النقب، على بعد 42 كلم من غزة العاصمة.
واستغل مصمموا القبة الحديدية، التي تم تصنيعها في الإدارة العامة لتطوير الاسلحة الجديدة، التصعيد العنيف في غزة خلال الأيام الماضية لإثبات عدم صحة الشكوك التي أثيرت حول فاعليتها المحدودة.
فقد تمكنت المنظومة التي تشمل جهاز رادار ونظام تعقب وبطارية مكونة من عشرين صاروخا اعتراضيا تحت مسمى (TAMIR)، من تدمير ثمانية من أصل تسعة صواريخ اعتبرها الحاسب أنها تشكل "تهديدا" على المناطق الحضرية.
نينو ليفي- المدير السابق بشركة "التا" المصنعة للرادر، أكد أن "المشروع يتطلب إجراء مسح للأهداف الخطيرة، بصورة يمكن من خلالها تحديد أماكن سقوط الصواريخ وعدم إهدار الصواريخ الاعتراضية".
وشدد على أن إجراء مسح للأهداف واعتراض أكثرها خطورة ضروري حتى لاتصبح المنظومة عبئا على ميزانية وزارة الدفاع، في ضوء كثرة عدد الصواريخ التي يمكن أن تطلقها المليشيات الفلسطينية في أي صراع مستقبلي.
وكانت إسرائيل قد اتجهت لتصنيع هذه المنظومة بعد حربها مع حزب الله اللبناني الذي أطلق على إسرائيل عام 2006 حوالي أربعة آلاف صاروخ من أنواع مختلفة.
وفي ظل عدم الإعلان عن بيانات رسمية، قدرت مصادر مرتبطة بصناعة الأسلحة تكلفة المشروع بما بين ثلاثة إلى أربعة مليارات شيكل (من 600 إلى 800 مليون يورو)، تساهم الولايات المتحدة بما بين 20 إلى 25 بالمائة في تمويله.
وأشارت المصادر إلى أن إطلاق الصاروخ الاعتراضي يكلف وزارة الدفاع الاسرائيلية حوالي 28 ألف يورو، وهي تكلفة مرتفعة للغاية بالمقارنة بصواريخ القسام التي يقدر ثمنها بمئات الدولارات.
يقول ليفي معقبا "مجرد المقارنة أمر مثير للسخرية"، مضيفا أن السترة الواقية من الرصاص تكلف مئات الدولارات بينما يبلغ ثمن الرصاصة دولار واحد "وهذا لايعني أن نتوقف عن منح السترات للجنود".
لكن من ناحية أخرى يشير خبراء آخرين، إلى أن في المعادلة الاقتصادية يدخل عامل توفير النفقات على إجراءات الحماية والتعويضات فضلا عن عدم تعليق الأنشطة التجارية والصادرات في أوقات الحرب.
وقال المحلل الاقتصادي سفير بلوتزكر لصحيفة (يديعوت أحرونوت) "على المستوى الاقتصادي، المشروع مربح للغاية لإسرائيل حتى لو بلغت نسبة فاعليته 80%".
لكن على الجانب الآخر، فإن أمور تقنية، تكشف عن عدم فاعلية المنظومة بشكل مثالي حتى يميل ميزان القوى الاستراتيجي تماما لصالح إسرائيل، فكلتا البطاريتين اللتين تشكلان المنظومة في مرحلة التجارب التشغيلية حتى الآن.
وسيستغرق تركيب البطاريات الاربعة الاضافية التي تعتزم الحكومة الاسرائيلية شرائها عامين على الأقل، وهي فترة طويلة لاستمرار الشكوك حول قدرة المنظومة على صد هجوم متزامن وشامل بالصواريخ، حال حدوثه.
وفي هذا الإطار، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن "المنظومة بحاجة للكثير من التحسينات" ، وقال "حتى الآن لا يمكننا حماية كل منزل وكل منشأة".
وكما يقول الصحفي إيتان هابر "يكفي سقوط صاروخ لم يتم اعتراضه على حارس"، حتى يشكك الجميع في فاعلية المنظومة الدفاعية الجديدة. علاوة على ذلك فإن المنظومة تم تطويرها بشكل أساسي لاعتراض صواريخ جراد الاكثر تدميرا والبعيدة المدى عن صواريخ القسام.
وتعتبر إمكانيات حركة المقاومة الاسلامية في غزة من صواريخ جراد محدودة بسبب ارتفاع تكلفتها التي تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات، فضلا عن صعوبة إدخالها إلى القطاع.
وهكذا سيظل لقذاائف الهاون وصواريخ القسام قصيرة المدى، التي تعتمد عليها المليشيات الفلسطينية ويكاد يكون من المستحيل اعتراضها، الصوت الاعلى في أي صراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على المديين القريب والمتوسط.
فالقبة الحديدية حتى الآن لا تتعدى كونها نصف وسيلة دفاعية، ولكنها ذات أثر نفسي غير اعتيادي، وستوفر للحكومة الإسرائيلية مساحة أكبر للمناورة دبلوماسيا قبل أن تتعرض لضغوط من المواطنين لشن مغامرات عسكرية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.(إفي)