تغير نظام التمويل له دور كبير فى تباطؤ النشاط العقارى فى دول مجلس التعاون الخليجى ، ففي السابق، كان بمقدور المقاولون الحصول على رأس المال العامل للمشاريع إما من خلال التدفقات النقدية الداخلية أو عن طريق القروض المصرفية المضمونة على أساس سمعتهم. وبالنظر إلى الأزمة المالية الأخيرة وتزايد حجم ونطاق المشاريع، فلن يمكن لشركات المقاولات الاعتماد على التدفقات النقدية للمشاريع وحدها، بل إن بعض المشاريع تشترط الموافقة المسبقة على التمويل كجزء من العطاء.
ويشهد القطاع تحولا هيكلياً لافتاً، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى دورة الأعمال، وتُرغم الطفرة في النمو الناجمة عن المشاريع الضخمة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي قطاع البناء على أن يبادر بتطوير خبرات متخصصة ويوسّع عملياته في جميع أرجاء المنطقة، وفي الوقت نفسه، حلت المشاريع التي ترعاها الحكومات في مجال البنية التحتية في كثير من الحالات، ولاسيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، محل المشاريع السكنية والتجارية الضخمة التي تعتبر خير دليل على طفرة النمو في هذا القطاع في مطلع العقد المنصرم، وكان التغيّر في طبيعة المشاريع في مقدمة التغيّرات الكثيرة التي شهدها قطاع البناء ، غير أن التغيّرات الهيكلية التي يشهدها القطاع ناجمة عن عوامل تتجاوز نطاق المشاريع والتبدلات من حيث تركزها الجغرافي. فهي تعتمد على خمسة مجالات أساسية وهي: حجم المشاريع وميزانيتها، وتوقعات العملاء وتطورهم، وطبيعة المنافسة، والمورّدون وسلسلة التوريد، والمستثمرون والتمويل.
ومع ان هيكل قطاع البناء في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي يشهد منذ العقد الماضي نقلة نوعية مع ما يطرأ من تغيّرات ملحوظة في نوع مشاريع البناء وتعقيدها وحجمها، فقد باتت متطلبات التمويل أكثر وأشد صرامة، فيما يفرض تعقيد المشاريع طلبات جديدة على سلاسل التوريد والاحتياجات من المعدّات وقدرات الموارد البشرية، وعلى الرغم من أنّ النمو الإجمالي في قطاع البناء سمح للشركات الرئيسية العاملة في السوق بمواصلة مسيرة النجاح في هذه البيئة المتبدّلة، فلابدّ أن تسرع في مواءمة استراتيجياتها العامة ونماذجها التشغيلية مع متطلبات البيئة الجديدة، وإلا خسرت ما لديها لمصلحة المنافسين.
وينشغل قطاع البناء في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن في إنجاز مشاريع حكومية في مجال البنية التحتية ومشاريع أخرى واسعة النطاق. ويقول فادي مجدلاني وهو شريك في بوز أند كومباني: «بالنظر إلى النمو الكبير للقطاع خلال العقد الماضي (الذي تجلّى في معدّل النمو السنوي التراكمي البالغ %35) يتبيّن أنّ القطاع سيواصل النمو بالرغم من التباطؤ الذي شهده أخيراً وتراجع نشاطاته في بعض المدن».
وعلى مدار العقد الماضي، تغيرت توصيفات المشاريع في هذا القطاع، فتحوّلت من مشاريع صغيرة وبسيطة وفردية، إلى أخرى هائلة ومعقّدة ومتناسقة. فبدلاً من المشاريع الصغيرة والمتوسطة المعتادة التي تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار أميركي، يتطلع المقاولون إلى مشاريع بقيمة مليارات الدولارات، تتطلب عادة أعمالاً مدنية معقدة، ونظماً كهروميكانيكية، وبنى تحتية أساسية أخرى، ويفيد مجدلاني قائلاً: «نتيجةً لذلك، يتولى المقاولون مشاريع أكبر بكثير من تلك التي كانوا يديرونها منذ عشر سنوات فحسب. فعلى سبيل المثال، تولّت عام 2005، إحدى أكبر شركات المقاولات في دول مجلس التعاون الخليجي، إدارة مجموعة مشاريع بقيمة تتراوح بين مليار وملياري دولار، وبحلول نهاية العقد، فاقت محفظة الشركة نفسها 5 مليارات دولار». وتجدر الإشارة إلى أن الطابع المعقّد للمشاريع يتطلب من المقاولين الاعتماد أكثر على مقاولين ثانويين يتمتّعون بدرجة عالية من التخصص، ويتم إدارتهم وفق شروط صارمة لإنجاز العمل في المواعيد المحددة وتلبية توقعات الجودة الطموحة. (www.nuqudy.com )