سجلت معظم المحافظ الاستثمارية عائدات قوية حتى الآن في 2019 مع ارتفاع الأصول الخطرة والآمنة بسلاسة في النصف الأول من العام الحالي.
ومع ظهور البيانات بشأن أداء الأنواع المختلف من الاستراتيجيات الاستثمارية، لن أتفاجأ إذا كانت المحافظ سيئة الأداء تركز على استراتيجيات توزيع الأصول الأقل تعقيدا وعلى منتجات الاستثمار السلبي.
وحدث كل ذلك في وقت تسوء فيه توقعات النمو العالمي، واستمرت فيه التوترات التجارية وجذبت الشركات المزيد من انتباه الجهات التشريعية، وتعمقت التشوهات في النظام المالي، وأصبحت الأسواق أكثر اعتمادا على البنوك المركزية، وهو ما يشير إلى خليط غير معتاد من النتائج على صعيد الاقتصاد والشركات والسوق، والذي أثار حيرة حتى أكثر المستثمرين خبرة. وسيكون لحكم المستثمرين طويل الأجل على هذا الخليط، تداعيات هامة ليس فقط على.. أين يستثمرون؟ وإنما .. كيف؟.
فمن ناحية، يتوقع المستثمرون أن يقود العالم نمو عال مستدام وتضخم منخفض ومستقر بما يصدق على أسعار الأصول المرتفعة ويرفعها أكثر، ومن ناحية أخرى، تخاطر أسعار الأصول، المدفوعة بالضخ المتواصل للسيولة، بالانفصال بحدة وبسرعة عن الأسس الاقتصادية والسياسية وأوضاع الشركات، مما يمهد الطريق لحركة تصحيح مؤلمة في الأسواق والتي قد تمتد أثارها السلبية إلى الاقتصاد الحقيقي.
وكما أوردت أغلب الصحافة الاقتصادية خلال نهاية الأسبوع الماضي، حظيت الأسهم الأمريكية بأفضل نصف عام لها منذ 1997، وحقق “ستاندرد آند بورز 500” عائدا بنسبة 17.3%، وسجل مستوى قياسي جديد خلال تلك الفترة.
أما الأمر الآخر اﻷكثر إثارة للدهشة، فهو تسجيل مؤشر ناسداكارتفاعا بنسبة 20.7%.
وكان أداء الدخل الثابت جيدا ليس فقط بسبب المكاسب الجيدة التي حققتها الفئات الأكثر خطورة مثل السندات عالية العائد وأصول الأسواق الناشئة.
وعلى عكس الارتباطات التاريخية، ارتفعت سندات الخزانة الأمريكية الاطول أجلا بالتزامن مع الأسهم وحققت عائدات مزدوجة الأرقام في النصف الأول من العام، كما صعد الذهب بقوة كذلك، مما يسلط الضوء اكثر على الارتباطات غير المعتادة في عائدات فئات الأصول، ولمن يبحثون عن تضاد أكبر، فهناك الأداء المبهر على طرفي النقيض من سلم المخاطر التقليدي وهما سندات الخزانة الامريكية لأجل 30 عاما والبيتكوين.
ويتمثل التفسير الفوري لهذه العائدات المبهرة عبر فئات الأصول المختلفة، في تجدد استعداد البنوك المركزية لضخ السيولة في النظام وهو ما يرفع نظريا تقييمات جميع الأصول.
وبقدر ما يعد هذا التفسير بسيطا وقويا، فإنه يثير أسئلة جوهرية طويلة اﻷجل وذات أهمية شديدة لاستراتيجيات الاستثمار وهو هل تواصل سيولة البنوك المركزية إخفاء أسس وسياسات غير مناسبة، أم تزيد الأحداث في النصف الأول من العام، الآمال في أن يتحقق ما هو منتظر منذ وقت طويل وهو دفع هذه السيولة للنمو الحقيقي؟
وعادة يشار إلى الارتفاع الحالي في سوق الأسهم على انه الأقل تفضيلا بين المستثمرين لما يحمله من مخاوف.
وبعض هذه المخاوف ممتدة منذ وقت طويل وتتعلق باستمرار الخليط السياسي غير المتوازن وهو (الاعتماد الشديد على السياسة النقدية وحدها دون أي أدوات أخرى لدعم النمو) كما أن مشكلة النمو المنخفض غير الشامل بشكل كافي، تفاقمت العام الحالي نتيجة قائمة لا نهائية على ما يبدو من المخاوف الإضافية والتي تتضمن سلاسل من التدخل السياسي والتنظيمي، وانتقال سياسي أكثر تعقيدا في ألمانيا، وضعف قوة الاقتصاد الأوروبي، والاختلالات المحتملة مع سعي معظم الاقتصادات الرئيسية لمقاومة ارتفاع قيم عملاتها.
ويمكنك أيضا إضافة الحساسية المتزايدة لوعود السيولة المبالغ فيها من قبل الصناديق الاستثمارية، وازدياد إصدار السندات من الشركات منخفضة التصنيف الائتماني، وازدياد الانحرافات في منحنى العائد، والتحمل المفرط للمخاطر.
ورغم كل ذلك، سيشير المتفائلون إلى ثلاثة عوامل على الأقل تدعم التحول السليم مع الوقت إلى أسس اقتصادية أفضل تقود أسعار الاصول لأعلى:
الأول، تتزايد الدلائل، بدءا من سوق العمالة الأمريكي إلى تنامي تأثير التكنولوجيا المعززة للمعروض، على تحول مستديم في الاحوال الهيكلية التي ترفع النمو مع المحافظة على تضخم منخفض ومستقر.
الثاني، تقترب المعضلات السياسية، مثل ملحمة الخروج البريطاني، من الحل الذي سيسمح بعودة انتباه المشرعين محليا إلى السياسات الداعمة للنمو.
والعامل الأخير هو أن النهج المتشدد لحكومة ترامب بشأن القضايا التجارية مع الصين، بجانب عدم الراحة المالية والاقتصادية التي تشعر بها بكين، يعززان احتمالية التوصل لاتفاق تجارة حرة اكثر نزاهة وعدلا.
والاعتقاد في هذه العوامل سيجعل المستثمرين يستعدون لنصف عام ثاني متقلب خلال الرحلة إلى أسس اقتصادية أفضل للاقتصاد وأرباح الشركات وعودة الاستثمارات المستدامة ومنخفضة التقلبات فس الأسهم والسندات، ولكن مثل هذا الاعتقاد يجب تأكيده بتطورات على الأرض.
وهذا يتطلب استراتيجيات استثمارية مختارة بعناية ودفاعية، وزيادة المقتنيات من النقدية للاستفادة من الاضطرابات المحتملة في المستقبل، واستغلال ارتفاع الأصول الخطرة في النصف الأول في زيادة جودة الاستثمارات في المستقبل في الشركات والدول التي لديها ميزانيات اكثر مرونة.
بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادي في مجموعة “أليانز”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.