رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية الشهر الماضى لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أبريل 2008.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة من أدنى مستوياتها في فترة ما بعد الأزمة العالمية، فإنَّ المشاركين في السوق والمحللين لا يظهرون أى علامات تدل على الخوف؛ حيث إن أسواق الأسهم تسجل ارتفاعات بمستويات قياسية مرة أخرى، وترتفع حالة الرضا عن السوق.
ولكن لسوء الحظ، فإنَّ “الهبوط الناعم” بعد دورات رفع أسعار الفائدة نادر الحدوث، فقد أدت جميع الدورات الحديثة لرفع الأسعار إلى حدوث أزمة مالية أو مصرفية، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الوقت الحالى سيكون مختلفاً.
ذكرت مجلة “فوربس”، أن فترات انخفاض أسعار الفائدة تساعد على خلق ازدهار فى سوق الائتمان وانتعاش الأصول بعدة طرق، على سبيل المثال تشجيع المزيد من الاقتراض من قبل المستهلكين والشركات والحكومات وتثبيط فرص الاحتفاظ بالنقدية مقابل الإنفاق والمضاربة في الأصول والمحفزات التي تنطوي على مخاطر أعلى.
ويمكن للمستثمرين، أيضاً، الاقتراض للمضاربة في أصول الرهن العقاري وعمليات إعادة شراء الأسهم وعمليات الدمج والاستحواذ.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أنه عندما تحدد البنوك المركزية أسعار الفائدة وتبقيها عند مستويات منخفضة من أجل خلق طفرة اقتصادية بعد الركود، كما يفعل الاحتياطي الفيدرالي فى الوقت الحالى، فإنَّ هذه السياسة تتداخل مع أداء الاقتصاد والأسواق المالية والتي لها عواقب وخيمة بما في ذلك خلق التشوهات والاختلالات.
ومن خلال الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة بشكل مصطنع، يخلق الاحتياطي الفيدرالي “إشارات خاطئة” تشجع على القيام بأعمال تجارية ومساعٍ أخرى لا تكون مربحة في بيئة أسعار الفائدة العادية.
وعادة ما تخسر الشركات أو الاستثمارات الخاطئة التي تم تأسيسها خلال هذه الفترة بمجرد ارتفاع أسعار الفائدة إلى المستويات الطبيعية مرة أخرى.
وبعض الأمثلة على هذه الاستثمارات الخاطئة تتمثل فى الفقاعة التكنولوجية التى نشبت أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتطورات سوق الإسكان خلال الفقاعة العقارية الأمريكية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وناطحات السحاب غير المنتهية في دبي وغيرها من الأسواق الناشئة بعد الأزمة المالية العالمية.
ويؤدي فشل المجتمع فى سياسات الائتمان والسياسة النقدية التي أسهمت في انتعاش الاستثمارات الخاطئة عادة إلى الركود أو حدوث الأزمات المصرفية والمالية مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وأشارت المجلة إلى أن جميع دورات رفع أسعار الفائدة أدت إلى حدوث ركود أو حدوث أزمات مالية، ولن تكون الدورة الحالية مختلفة، وهذه المرة سوف تنفجر الفقاعة فى كل شىء.
فبعد ما يقرب من عقد من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية أصبح الاقتصاد العالمى والأمريكى على وجه الخصوص مشبعين بالفقاعات والتشوهات الأخرى التي لن يتم كشفها إلا من خلال ارتفاع أسعار الفائدة؛ بسبب عبء الديون المرتفع بشكل قياسي.
وفيما يلي بعض الأمثلة على القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة التي من المتوقع أن تعانى فقاعات، وسوف تنهار مع موجة ارتفاع أسعار الفائدة.
أولاً: الأسواق الناشئة؛ حيث تسببت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية وسياسة التيسير الكمى في الولايات المتحدة وأوروبا بعد فترة الركود الكبير في وصول قيمة “الأموال الساخنة” إلى تريليونات الدولارات فى الاقتصادات الناشئة، ما أدى إلى تطوير فقاعات الائتمان والأصول في تلك البلدان.
وتضاعفت ديون الأسواق الناشئة ثلاث مرات تقريباً إلى 60 تريليون دولار، في العقد الماضي، وتعد تركيا وجنوب أفريقيا مثالين للعديد من الأسواق الناشئة التى يتم سحقها؛ بسبب زيادة الفائدة الأمريكية وارتفاع الدولار.
ثانياً: ديون الشركات الأمريكية، إنَّ بيئة أسعار الفائدة المنخفضة بعد فترة الركود الكبير شجعت الشركات العامة على الاقتراض بقوة في سوق السندات؛ حيث ارتفع إجمالي الديون غير المالية المستحقة للشركات بأكثر من 2.5 تريليون دولار أو 40% منذ عام 2008.
وبلغت ديون الشركات الأمريكية أعلى مستوياتها على الإطلاق فى الوقت الحالى لتسجل نسبتها 45% من الناتج المحلي الإجمالي.
ثالثاً: سندات شركات قطاع البترول الصخرى في الولايات المتحدة؛ حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفقاعة ديون شركات استخراج البترول والغاز عبر التكسير الهيكلي الذى يتطلب كثافة عالية من رأس المال، ولن تكون هذه السندات مجدية في بيئة أسعار الفائدة العادية.
رابعاً: قروض السيارات الأمريكية؛ حيث جعلت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تمويل وتأجير السيارات أرخص بكثير، ما أدى إلى طفرة في مبيعات السيارات.
وارتفع إجمالى قروض السيارات المستحقة بنسبة 36% إلى 1.118 تريليون دولار في العقد الماضي.
وأشارت المجلة إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة سوف يجعل سداد قروض السيارات أكثر تكلفة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض المبيعات، وحدوث كساد في صناعة السيارات.
خامساً: العقارات التجارية في الولايات المتحدة والتى تعد حساسة للغاية لأسعار الفائدة؛ حيث ارتفعت أسعار العقارات التجارية الأمريكية بأكثر من الضعف منذ عام 2009.
سادساً: العقارات السكنية الأمريكية؛ حيث تجاوزت أسعار المساكن فى الوقت الحالى ذروة فقاعة الإسكان، وارتفعت بنسبة 50% من أدنى مستوى لها في عام 2012 بفضل معدلات الرهن العقاري المنخفضة للغاية.
ويتعرض مستثمرو سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة بشكل خطير لحدوث فقاعات مقبلة في القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة والتي سوف تمتد إلى سوق الأسهم المتضخم للغاية.
ويشير العديد من مقاييس التقييم إلى أن سوق الأسهم الأمريكية أكثر من قيمته بكثير، مقارنة بأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أثناء فقاعة التكنولوجيا، وهو ما يعني أن هناك تراجعات حادة لا مفر منها.
إن الدورة الحالية لرفع أسعار الفائدة لن تنتهي بشكل مختلف عن الدورات السابقة، بل من المرجح أن تنتهي بطريقة أسوأ؛ بسبب الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة قياسية لفترة طويلة من الزمن.