المستهلكون الأمريكيون سيتحملون العبء الأكبر من القيود على الواردات
فى سلسلة من التغريدات بوقت سابق من يوم الثلاثاء الماضى أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أنه “رجل التعريفات” معلناً الإيرادات التى تم جمعها من خلال التعريفات ومؤكداً أن ضرائب الاستيراد ستزيد من القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.
وأشار الخبير الاقتصادى الحائز على جائزة نوبل، “بول كروغمان”، إلى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الأجانب هم الوحيدون الذين يدفعون فاتورة الرسوم الجمركية حيث يدفع المستهلكون الأمريكيون أيضًا.
وأضاف أن الاعتقاد بأن الرسوم الجمركية هى ضريبة على الدول الأجنبية هو مثل الاعتقاد بأن ضرائب المبيعات هى ضريبة على “وول مارت” شركة تجارة التجزئة الأمريكية.
وذكر “نواه سميث” فى مقال له على وكالة أنباء “بلومبرج”، أنه من غير المنطقى أن يتباهى الرئيس الأمريكى حول عائدات الضرائب التى تخلقها تعريفاته، حيث أدت تخفيضاته الضريبية إلى زيادة العجز التجارى بمبالغ هائلة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى كشفت فيه البيانات أن الرسوم الجمركية جمعت حتى الآن بضعة مليارات من الإيرادات فى حين يتوقع أن تبلغ تكلفة التخفيضات الضريبية وحدها حوالى 100 مليار دولار سنوياً.
ولكن هذه التناقضات والأخطاء الأساسية يدفعها إيمان ترامب، بالتعريفة كأداة للعظمة الاقتصادية، ولكن هذه النظرية ليست فى محلها وعديمة الفائدة الاقتصادية لعدة أسباب.
السبب الأول، يقع عبء التعريفات على عاتق المستهلكين المحليين أو بعبارة أخرى الأمريكيون لأن أسعار العديد من السلع المتداولة يتم وضعها فى الأسواق العالمية.
وعلى سبيل المثال، إن افتراض قيام شركة صينية ببيع غسالة فى الولايات المتحدة بمبلغ 1000 دولار ثم يقوم ترامب، بفرض تعريفة بقيمة 200 دولار على الغسالة حينها تدرك الشركة الصينية أنها تستطيع أن تبيع غسالاتها فى مكان آخر دون التعريفة الجمركية لدول مثل فرنسا أو اليابان أو روسيا وتحصل على ربحها الطبيعى.
وأشارت الوكالة إلى أنه إذا فكرت الشركة الصينية ببيع منتجاتها في الولايات المتحدة فسوف ينبغى عليها رفع سعر الملصق إلى 1200 دولار.
وفى الوقت الذى يعد فيه السوق الأمريكى كبير بما فيه الكفاية ويمتلك بعض القوة للتأثير على الأسعار العالمية، فإن التجار الصينيين سيدفعون جزءاً صغيراً من التعريفة، لكن الكثير من تكلفة الضريبة سيتحملها المستهلك الأمريكى.
والسبب الثانى وراء عدم جدوى الرسوم الجمركية يتمثل فى أن هذه التعريفات لا تأخذ فى الاعتبار تحركات العملات فعندما تفرض الولايات المتحدة ضرائب على سلع بلد آخر، فإنها تفرض ضغطاً هبوطياً على عملة ذلك البلد، وعندما ينخفض سعر اليوان الصيني مقابل الدولار الأمريكى فإنه يجعل السلع الصينية أرخص، مما يلغى بعض أثر التعريفة الجمركية.
وكشفت البيانات أن سعر اليوان بلغ تقريباً 16 سنت مقابل الدولار فى وقت سابق من العام الحالى، ولكن فى الوقت الذى فرضت فيه إدراة ترامب، رسوماً جمركية على السلع الصينية وزادت حدة الخطابات الحمائية فقد انخفض إلى حوالى 14 سنتاً أى تراجع بنسبة تزيد على 12%.
وأشارت الوكالة الامريكية إلى أن هذا الانخفاض فى العملة يجعل جميع السلع الصينية وليس فقط تلك التى كانت فى مرمى تعريفات ترامب، أرخص فى الولايات المتحدة.
وربما كان هذا أحد أهم الأسباب التى كشفت عدم جدوى التعريفة الصادرة عن ترامب، فى خفض العجز التجارى الأمريكى الذى سجل أعلى مستوياته مع الصين العام الحالى.
ويتمثل السبب الثالث فى أنه إذا تم القيام بالخطأ فيمكن أن يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمصنعين والمصدرين الأمريكيين.
وأشار كروغمان، وغيره من الاقتصاديين مراراً وتكراراً إلى أن العديد من السلع الصينية التى يفرض ترامب، عليها الضرائب هى أجزاء وآلات ومواد يحتاجها المصنعين فى الولايات المتحدة من أجل صنع منتجاتهم.
ومن خلال رفع تكاليف الإنتاج، فإن الرسوم الجمركية تجعل المصنعين الأمريكيين أقل قدرة على المنافسة سواء فى الداخل أو فى الخارج وهو عكس ما يرغب ترامب، القيام به.
وكشف تقرير صدر مؤخراً عن مجموعة “يو بى إس” السويسرية أن الشركات الأمريكية بدأت فى تحويل الإنتاج إلى الخارج استجابة لتعرفيات ترامب، التجارية.
وأوضحت الوكالة، أن التعريفات الجمركية تخفض القدرة التنافسية للشركات الأمريكية وأوصت بدعم الصادرات بدلاً من فرض ضرائب على المنتجات الأجنبية فى السوق الأمريكية إلى جانب استخدام عائدات الضرائب لمساعدة الشركات الأمريكية ببيع سلعها فى الخارج.
وأضافت أن هدف ترامب، المتمثل فى جعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة ليس سيئاً، لكنه يحتاج فقط إلى التوقف عن استخدام الأدوات السيئة.