من سامح الخطيب
القاهرة (رويترز) - لا يمل الروائي المصري أشرف الخمايسي مطاردة فكرة "الموت" في أعماله الأدبية بدءا من رواية (الصنم) مرورا بروايتي (منافي الرب) و(انحراف حاد) وصولا إلى (ضارب الطبل)، أحدث أعماله الذي يقدم فيه طرحا فلسفيا جديدا لصراع الإنسان مع القدر.
هذه المرة تقوم فكرة الرواية على طرح غير مألوف "ماذا لو عرف الإنسان موعد وفاته؟" وتبعات ذلك على تفكيره وسلوكه وتعامله مع الآخرين. ورغم صعوبة تقبل الفكرة بشهادة المؤلف نفسه باعتبارها "شأنا اختص به الخالق نفسه" إلا أن العمل لا يأخذ طابع الفانتازيا، فكل ما يدور فيه يبدو حقيقيا تماما وقابلا للتصديق.
جاءت الرواية في 292 صفحة من القطع المتوسط عن دار الشروق بالقاهرة وهي الرابعة للمؤلف بجانب ثلاث مجموعات قصصية.
تبدأ الأحداث في إحدى قرى القرنة بمحافظة الأقصر في جنوب مصر في وقت أصبح كل إنسان يعرف موعد وفاته عبر جهاز "الفاحص العمري" الذي اخترعته إحدى الدول الأوروبية ثم أخذته باقي دول العالم وطبقته على شعوبها.
ويسوق الخمايسي سيلا من قصص وحكايات أهل القرية ويغوص في أعماقهم كاشفا بعض الجوانب النفسية التي لم تكن لتظهر لولا أن علمت كل نفس منتهاها.
نمط الحياة الجديد مزج الفرح بالحزن. فبقدر ما كان وصول مولود جديد إلى الدنيا حدثا سعيدا لأي أسرة، كان القلق والترقب يرافقان الأهل حتى الذهاب لجهاز (الفاحص العمري) الذي يخرج البعض منه فرحا سعيدا بطول عمر مولوده فيما يخرج البعض حزينا باكيا لأن المولود الجديد لن يعيش سوى سنوات قليلة أو ربما شهور.
تبدلت كذلك العادات الاجتماعية في الزواج فأصبح أصحاب الأعمار الطويلة يبحثون عمن يشاركهم الحياة حتى النهاية وركد سوق أصحاب الأعمار القصيرة.
حتى تكاليف الزواج أصبحت خاضعة لمقياس العمر، فالعروس صاحبة العمر الطويل تستحق مهرا كبيرا أما العروس التي ستعيش 40 عاما أو أقل يتقبل أهلها مهرا قليلا لأن الزوج سيضطر لاحقا إلى الزواج بأخرى تكمل معه حياته وترعى أبناءه فيدفع مهرا جديدا ويتكلف أعباء جديدة.
تنوعت الحكايات واختلفت الطبائع لكن المدهش هو أن جميع شخوص الرواية تقريبا تشغلهم الدنيا وما فيها رغم معرفتهم أنهم مفارقوها.
ووسط الحكايات تبرز حكاية (حفار القبور)، ذلك الشخص الغريب الذي لا ينتمي إلى أهل القرية وسكن المقابر حتى أصبحت مهنته إعداد وتجهيز المتوفين وإرسالهم للعالم الآخر.
حكاية (حفار القبور) هي حكاية التمرد والخروج على المألوف، فقد ضج أبوه بفكرة انتظار الموت سواء كان العمر طويلا أو قصيرا وقرر ألا يذهب بمولوده إلى جهاز (الفاحص العمري) ليزج بابنه في زمرة المنبوذين.
والمنبوذون في تعريف ذلك الزمن فئتان، إحداهما من بقوا على قيد الحياة بعد انقضاء العمر المحدد لهم ببطاقة الهوية. وهؤلاء عليهم تسليم أنفسهم إلى مراكز رسمية لإنهاء حياتهم أو إنهائها بأنفسهم حتى لا يخلوا بالمنظومة المجتمعية. أما الفئة الثانية فهم من لم يخضعوا لجهاز (الفاحص العمري) أبدا وهؤلاء عليهم الرحيل فورا.
يزود الأب والأم ابنهما (حفار القبور) بحمار وقطيع من الإبل وبعض الزاد الذي يعينه على الخروج إلى الصحراء بعيدا عن السلطات. ورغم ألم الفراق، يأملان أن يكونا قد ضمنا له بذلك حياة أفضل.
وفي الصحراء تظهر شخصية (ضارب الطبل) الذي تحمل الرواية اسمه وهو شخص يظل القارئ أيضا حائرا في حقيقته إذا كان إنسانا أم مجرد وهم.
هذه الشخصية الضبابية التي تظهر وتختفي مثل الأشباح تكررت في الأعمال السابقة للخمايسي بأوجه مختلفة ويستخدمها عادة لتنطق بالحكمة والفلسفة التي يصعب أن تخرج عن إنسان عادي.
يصبح (ضارب الطبل) عراب (حفار القبور) في الصحراء، ويقدم له النصيحة ويرشده ويحثه على مواصلة طريق التمرد وكسر القيود مثلما فعل الأب عندما هرب به من جهاز الفاحص العمري وحاول تحريره من سطوة آلة لا روح فيها ولا عقل تحدد للناس مصائرهم وتنغص عليهم حياتهم.
وفي حديث بين الاثنين يقول (ضارب الطبل) "نحن كثيرون في الصحراء، هاربون من الموت على طريقة جهاز الصحة، لأننا نريد الموت على طريقة الأقدمين، أنا تفلسفت يا ولدي فتوصلت إلى أننا برحيلنا عن العمران إلى الصحراء انتصرنا لأنفسنا، لكننا لم نهزم الجهاز، يجب أن نهزم هذا الجهاز".
ويتابع "هذا الجهاز وهم، كيف لم تعرف أن هؤلاء الهاربين من مصائرهم داخل مراكز التهيئة والتنظيم إلى الفيافي هم أكبر دليل على أن هذا الجهاز وهم، لو أنه حقيقي لماتوا في التوقيتات التي حددها لهم، لما تجاوزوها أبدا، ألا تفهم؟! هذه المراكز من أجل الحفاظ على الوهم حقيقيا في قلوب وأذهان الناس".
تستمر رحلة (حفار القبور) في الصحراء حتى يصل إلى مقابر القرية التي بدأت منها الأحداث، حيث أنسب مكان لشخص مثله هارب من السلطات لكنه يقضي حياته حيا بين الأموات.
الرواية مليئة بالتأملات والتساؤلات.. تأملات كثيرة في أوضاع اجتماعية وحياتية ألفها الناس حتى أصبحت لديهم من المسلمات، وتساؤلات أكثر عن الكون وخالقه والحكمة من وجود الإنسان ومصيره واختياراته.
لكن يبقى أكثر ما يميز رواية (ضارب الطبل) هو جرس الخطر الذي يدقه الخمايسي عندما يلمح في أكثر من موضع بالعمل إلى أن وجود اختراع مثل الفاحص العمري أو ما يشبهه ربما لم يعد أمرا بعيدا سواء كان حقيقة أم وهما.
(تحرير أمل أبو السعود) OLMEENT Reuters Arabic Online Report Entertainment News 20170916T092438+0000