انخرطت الأسواق والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رقصة غريبة على مدار العام الماضي، تضمنت في البداية الكثير من عدم التطابق في توقعات كلا الطرفين بشأن أسعار الفائدة، ثم بعد ذلك، سادت هدنة، ولكن هذه الهدنة مهددة حالياً بسبب تزايد الضغوط من جانب الأسواق على البنك المركزي لخفض الفائدة، وتؤكد الأدلة على عدم الراحة المتزايدة فى الأسواق لقرار الفيدرالي بالتوقف عن الخفض ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
*واصلت العائدات على السندات الحكومية الأمريكية التراجع، مع تداول عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات يوم الاثنين الماضى دون أعلى مستوى مشهود في منتصف أغسطس الماضي بمقدار 20 نقطة أساس.
*ظلت فجوة العائد بين سندات الخزانة لأجلي 2 و10 سنوات مستقرة لـ9 أيام على التوالي، وانخفضت إلى 14 نقطة أساس، مقارنة بالارتفاع إلى 27 نقطة أساس منذ أسبوعين فقط.
*وأخيراً تراجعت عائدات سندات الخزانة لأجل 5 سنوات مجدداً دون عائدات أذون العامين.
ومن ناحية، كان الضغط المتزايد للأسواق متدرج للغاية، خاصة عند مقارنته بالضغوطات السابقة، وبالتالي فإن أهميته قد لا تكون بنفس القدر، وعلاوة على ذلك، حدثت تحركات السوق تلك رغم أفعال الفيدرالي التي تسببت في تعزيز السيولة بما في ذلك شراء أذون الخزانة ورغم الخطوات لبث الاستقرار في سوق “الريبو”، والتي وفرت مستويات استثنائية من النقدية للبنوك.
ومن المحير كذلك أن استواء منحنى عائد سندات الخزانة – وهو علامة على توقع السوق لركود أو انكماش وكذلك موجة بيع للأسهم – حدث فى سياق تطورات سوقية واقتصادية محببة.
وسجلت الأسهم الأمريكية مستوى قياسى جديد يوم الاثنين الماضي مضيفة على مكاسب موجة الصعود التي شهدت ارتفاع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 9% فى فترة صعوده الحالية التي بدأت الشهر الماضي، كما كان أداء أسواق الائتمان جيداً، باستثناء الفئة الأقل جودة من الديون عالية العائد، حيث يرجع اتساع الفارق في العائد بقدر كبير إلى أسباب محددة تتعلق بفئة الأصول.
وظهرت فى الأسابيع القليلة الماضية مؤشرات جزئية إضافية على أن الأوضاع في أوروبا وصلت للقاع وستبدأ فى التحسن بما في ذلك بيانات ثقة المستهلك في ألمانيا التى أظهرت تحسناً للشهر الثالث على التوالي، وهو ما يضيف على العوامل الاقتصادية التى تبعث على الراحة مثل استمرار القوة في سوق العمل الأمريكي، وهدوء التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة وموسم نتائج الأعمال الفصلي القوى.
وهذه الاتجاهات المتنافسة تسلط الضوء على التناقض الذي يزداد بين آليات السوق والاقتصاد الداعمة على المدى القصير، والآفاق متوسطة المدى الأقل يقينية والتي تذهب إلى أبعد من الاقتصاد العالمي الذي لايزال هشاً، بالإضافة إلى المزيد من الانفصال في أسعار الأصول من الأسس الاقتصادية الكامنة.
وبدون المزيد من الوضوح، سوف يبقى التحدى الأكبر للمستثمرين هو كيفية الاستفادة من الصعود فى الأسواق على المدى القصير وزيادة مرونة المحافظ الاستثمارية في نفس الوقت للإبحار فى أوجه عدم اليقين طويلة الأجل، وأرى أن أفضل ما يمكن فعله هو اتباع الاستراتيجيات الاستثمارية التدريجية مثل تحسين جودة الأصول.
أما بالنسبة للفيدرالي، أشك أن المسئولين هناك يأملون في توقف الأسواق عن وضع ضغوط فى غير محلها عليهم لدفعهم إلى المزيد من خفض الفائدة، وآخر ما يريده الفيدرالى أو أي بنك مركزي آخر هو أن يوضع في موقف يكون فيه خاسراً في كل الأحوال أي إما أن يستسلم للأسواق من خلال خفض الفائدة حتى وإن كان الاقتصاد لا يحتاج ذلك ولن يستفيد منه أو يقاوم ضغوط الأسواق ويخاطر بموجة بيع في سوق الأسهم، والتي قد تتسرب أثارها السلبية إلى الاقتصاد الحقيقي.
بقلم: محمد العريانمستشار اقتصادي في مجموعة “أليانز” ورئيس كلية “كوينز” بجامعة “كامبريدج”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”