كان انهيار سوق الإسكان سبباً في دخول الاقتصاد العالمي، حالة ركود بين عامي 2007 و2009، لكن ثلاث دول فقط اجتازت هذه الاضطرابات، وهي أستراليا وكندا والسويد.
حتى في ظل انخفاض أسعار العقارات في أماكن أخرى، سجلت الدول الثلاث نمواً مكوناً من رقمين، وهذا النمو جاء بعضه نظراً لحسن حظها.
أدى ازدهار السلع إلى دعم اقتصادات أستراليا وكندا، على سبيل المثال.. لكن السياسة الذكية ساعدت.
فقد اعتبرت كل دولة بمثابة نموذج ساطع للأماكن الأخرى المنكوبة بالأزمات، كما أشاد المسؤولون بها بشكل كبير.
بدأت أسعار المنازل في الانخفاض الآن في جميع أنحاء العالم الغني، بعد أعوام من النمو المذهل، إذ تواجه الأسواق المحمومة، مثل تلك الموجودة في أستراليا وكندا والسويد، بعض أشد الانخفاضات.
لقد تركت حفلة الرهن العقاري التي تغذيها أسعار الفائدة المتدنية للغاية، كل بلد بكميات هائلة من ديون الأسر المعيشية، إذ يبلغ هذا الدين 185% كحصة من الدخل المتاح في كندا و 202% في أستراليا و 203% في السويد.
وعلى النقيض من ذلك، تقلصت مستويات الديون في الدول التي تحملت وطأة الانهيار الأخير، بما في ذلك الولايات المتحدة وأيرلندا وإسبانيا.
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن حالات الانهيار والركود التي يسبقها هذا النوع من تراكم الديون تميل إلى أن تكون أكثر حدة، إذ يتسبب النفوذ المفرط في جعل الناس أكثر عرضة لفقدان الوظائف وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض أسعار المنازل، وهذا ما أثبتته الولايات المتحدة خلال فترة الكساد والأزمة المالية الأخيرة.
وفي ظل رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ أكثر من أربعة عقود زمنية، فإن الدول التي تغرق في ديون الرهن العقاري ستتعرض مرة أخرى لعواقب وخيمة.
في أستراليا وكندا والسويد، ارتفعت أسعار المنازل بأكثر من الضعف منذ عام 2007، مقارنة بارتفاع 50% في بريطانيا و 61% في أمريكا.
في الوقت نفسه، تعني المستويات المرتفعة للهجرة في الدول الثلاث، أنه منذ مطلع الألفية، تجاوز النمو السكاني المتوسط المسجل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد نما عدد السكان بمقدار الثلث في أستراليا، وبمقدار الربع في كندا، وبمقدار السدس في السويد.
يشير “رويال بنك أوف كندا” إلى أن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم أو مع أسر صغيرة أدى إلى زيادة عدد الأسر في كندا بنحو 30 ألف سنوياً منذ عام 2016، ويعيش ما يقرب من 30% من الكنديين الآن بمفردهم.
ونتيجة للارتفاع الشديد في الأسعار، تعززت ديون الرهن العقاري الجديدة للأسر الكندية بمقدار قياسي قدره 190 مليار دولار كندي (أي ما يعادل 150 مليار دولار) خلال العام الماضي، أي أكثر من ضعف المبلغ في عام 2019.
وفي الوقت نفسه، حصل السويديون على ديون رهن عقاري جديدة بقيمة 370 مليار كرونة (أي ما يعادل 40 مليار دولار) في يونيو، مقارنة بنفس الشهر قبل ثلاثة أعوام.
واجتذب الائتمان السهل أيضاً المضاربين، فضلاً عن أنه ألهم الناس للبحث عن بيوت العطلات، علماً بأن واحد من كل 6 من مُلاك المنازل في أونتاريو، والتي تشمل تورنتو أغلى سوق في كندا، يمتلك الآن عقارين على الأقل، بينما يمتلك واحد من كل 5 سويديين مقصورة صيفية.
لذلك لا غرابة في ارتفاع مخاطر القروض على الرغم من الجهود التي يبذلها المقرضون والمنظمون لتشديد معايير الائتمان.
تقدر الجهة التنظيمية المالية الأسترالية أن 22% من الرهون العقارية التي تم الحصول عليها في الربع الثاني من العام الحالي تضع صاحبها في وضع مالي ضعيف.
وبالنسبة لكندا، فقد شكلت القروض العقارية، التي تبلغ نسبة الدين إلى الدخل فيها أربع مرات ونصف أو أكثر، 27% من قروض الرهن العقاري الجديدة في بداية العام الجاري.
وفي السويد، ارتفعت هذه القروض إلى أكثر من 14% من قروض الرهن العقاري الجديدة عام 2021.
وقد وصف ستيفان إنجفيس، محافظ البنك المركزي السويدي، تراكم الديون بأنه “مثل الجلوس على قمة بركان”.
ربما يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاض أسعار العقارات إلى انفجار البركان، حيث يتوقع البنك المركزي الأسترالي انخفاضاً بنسبة 20% في أسعار المنازل، وهو أكبر انخفاض في أربعة عقود، بينما يتوقع “رويال بنك أوف كندا” انخفاض الأسعار في كندا بنسبة تصل إلى 14% من ذروتها.
يذكر أن كثير من الديون في الدول الثلاثة مملوكة لأسر أكثر ثراءً، وحالياً ما تزال البطالة منخفضة نسبياً، لكن إذا بدأ فقدان الوظائف في الارتفاع، كما يبدو مرجحاً، فقد يتدهور الوضع سريعاً.
بعد الأزمة المالية العالمية، تم الترحيب بأستراليا وكندا والسويد كأمثلة دول يحتذى بها في جميع أنحاء العالم، لكنها من المرجح أن تكون هذه المرة بمثابة قصة تحذيرية.