هل يمكن لأوروبا سن قانون يناسبها على غرار قانون التضخم الأمريكي؟

تم النشر 12/01/2023, 09:23
محدث 12/01/2023, 10:25
© Reuters.  توم كريبس يكتب: هل يمكن لأوروبا سن قانون يناسبها على غرار “قانون التضخم الأمريكى”؟

كان قانون خفض التضخم الذي سنته الولايات المتحدة مؤخرا، والذي يتضمن مئات المليارات من إعانات الدعم الفيدرالية للتكنولوجيات الخضراء ومصادر الطاقة المتجددة، يبشر بتحول طال انتظاره في سياسة المناخ في الولايات المتحدة.

ولكن برغم أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانضمام إلى الكفاح العالمي ضد تغير المناخ استُقبِل بالترحاب في الاتحاد الأوروبي، فقد أعرب بعض القادة عن مخاوفهم من أن مشروع القانون يركز بشكل مفرط على الإنتاج المحلي وقد ينطوي على تمييز ضد الشركات العاملة في الاتحاد الأوروبي.

وفي دراسة حديثة للسياسة العامة، أزعم أن أوروبا لا ينبغي لها أن تقاوم النهج الأمريكي الجديد في إدارة سياسة المناخ، بدلا من ذلك، ينبغي للدول الأوروبية أن ترحب بهذا النهج وتعمل على تطوير نسخة أفضل تناسبها.

أحد الأسباب التي يجب أن تجعل الأوروبيين يتبنون قانونا مشابها لقانون خفض التضخم هو أنه يتجاوز النهج التبسيطي في التعامل مع تغير المناخ والذي يهيمن غالبا على المناقشات السياسية.

يلتزم النهج الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي حاليا، والذي يتمثل في مبادرته بعنوان Fit for 55 initiative، بنموذج قائم على السوق ويعتمد على تسعير الكربون لضمان التنظيم الذاتي من قِبَل الجهات المصدرة للانبعاثات.

على النقيض من هذا، يفترض قانون خفض التضخم أن الحكومة المتطلعة إلى المستقبل يمكنها العمل على تسريع التحول إلى الاقتصاد الأخضر من خلال إعانات دعم الاستثمار الموجهة للأفراد والشركات.

وعلاوة على ذلك، يميل قانون خفض التضخم بشكل واضح لصالح العمال من خلال تركيزه على تشغيل العمالة المحلية ومحاولة تعزيز الأجور من خلال جعل بعض الإعفاءات الضريبية مشروطة بالتزام الشركات بمستويات الأجور السائدة.

بينما يمثل قانون خفض التضخم سياسة صناعية خضراء قادرة على خلق الملايين من وظائف الطاقة النظيفة الجيدة، فإن نهج السوق الليبرالي في الاتحاد الأوروبي من المحتم أن يفشل، لأن النظرية الاقتصادية التي يستند إليها تهمل سِمَتين حاسمتين تميزان المجتمعات البشرية: تكاليف التكيف الفردي وعلاقات القوة الاقتصادية.

وفي حين يبدو أن صناع السياسات الأوروبيين مفتونون بعالَم الأسواق الحرة العامر بالقصص الخيالية، فإن نهج قانون خفض التضخم الموجه الذي يركز على الحكومة يستند إلى منطق اقتصادي سليم.

ويتمتع قانون خفض التضخم بميزة إضافية تتمثل في تقديم سيناريو إيجابي، وتتمثل أداة السياسة الرئيسية التي يستخدمها الاقتصاديون من أنصار السوق لحمل الناس على تبني الاستدامة في معاقبتهم على سلوكهم غير المسئول بيئيا.

بالإضافة إلى هذا، يعمل النهج المؤيد للسوق على تقليص البعد الاجتماعي لسياسات المناخ لتحويل المدفوعات إلى ما يسمى“ الخاسرين بسبب التحول إلى صافي الانبعاثات صِفر، لكن أغلب الناس لا يستمتعون بالعقاب، ولا يريدون تلقى هِبات حكومية، ولا يحبون بكل تأكيد أن يطلق عليهم وصف“ الخاسرين، ويريد أغلب الناس اقتصادا أخضر يوفر لهم وظائف لائقة مجزية، ويتوقعون أن تساعدهم الحكومات في تهيئة الظروف الملاءمة لذلك.

ومن الواضح أن العديد من البلدان الأوروبية تتمتع بميزة على الولايات المتحدة يمكنها أن تستفيد منها عندما يتعلق الأمر بتطوير أجندة مناخية صديقة للعمالة.

بادئ ذي بدء، يتسم مفهوم قانون خفض التضخم فى ما يتصل“ بالأجور السائدة بالغموض إلى حد ما وسيكون من الصعب تنفيذه، وفي أغلب بلدان الاتحاد الأوروبي، تُغَطى تكاليف الأجور الصناعية من خلال اتفاقيات المساومة الجماعية، ومن الممكن بسهولة استخدام الأجور النقابية كمعايير في قطاعات أخرى.

وبوسع بلدان مثل فرنسا وألمانيا أن تتولى زمام القيادة في هذه القضية، ولأن ألمانيا تخطط بالفعل لوضع شرط الأجر اللائق لجميع المقاولين على المستوى الفيدرالي هذا العام، فإن تطبيق شروط مماثلة لإعانات دعم الاستثمار الأخضر لا يبدو أمرا بعيد المنال، بالإضافة إلى هذا، يجب أن تكون برامج تدريب العمال جزءا لا يتجزأ من أي أجندة خضراء.

ويهدف قانون خفض التضخم إلى دعم إنشاء قوة عمل عالية المهارة من خلال تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي توفر التدريب المهني، لكن نجاح هذه البرامج يعتمد على توافر التعليم العالي الجودة الذي يعمل مع أرباب العمل.

ولا تتوفر مثل هذه الترتيبات إلا في بعض أجزاء من الولايات المتحدة، في حين تراعى ألمانيا والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي تقليدا قديما يتمثل في استخدام التدريب المهني وبرامج إعادة التدريب لدعم العمال في اكتساب المهارات الفنية اللازمة لمعظم الوظائف الصناعية.

لكن السياسة الصناعية لن تفعل الكثير لتعزيز الأجور في قطاع الخدمات، ولهذا السبب تشكل قوانين الحد الأدنى للأجور ضرورة أساسية لأي أجندة سياسية مؤيدة للعمال، ويتعين على بلدان الاتحاد الأوروبي أن تستخدم التحول إلى الطاقة الخضراء كفرصة لوضع حد أدنى عادل للأجور يوفر مستوى معيشيا لائقا.

واتخذت الحكومة الألمانية مؤخرا خطوة مهمة في هذا الاتجاه عندما رفعت الحد الأدنى للأجور من 10.45 يوروات إلى 12 يورو في الساعة“ نحو 16 دولارا أمريكيا قياسا على تعادل القوة الشرائية، حتى برغم أن قدرا كبيرا من رفع الحد الأدنى للأجور هذا سَيُهدَر بسبب التضخم المرتفع.

وبما يتماشى مع إعلان الاتحاد الأوروبي بشأن الحد الأدنى للأجور مؤخرا، يجب أن ترفع ألمانيا الحد الأدنى للأجور إلى 16 يورو على الأقل في أقرب وقت ممكن، وبهذا يصبح بوسعها أن تساعد في دفع الاتحاد الأوروبي بأسره نحو استجابة قوية لقانون خفض التضخم تؤيد العمال.

بقلم: توم كريبس، أستاذ الاقتصاد بجامعة مانهايم

المصدر: موقع بروجكت سينديكيت

أحدث التعليقات

قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.