يوم حيوي يطل علينا مليء بالبيانات الاقتصادية الهامة جداً و التي قد تحدد اتجاه مسيرة النمو و ذلك بقرار البنك المركزي الأوروبي للفائدة اليوم و الذي من المتوقع أن يقتطع من سعر الفائدة وسط تباطؤ مسيرة النمو إثر تفاقم أزمة الديون السيادية و شدة الإجراءات التقشفية، كما سيعلن البنك المركزي البريطاني عن قراره للفائدة الذي من المتوقع أن يحافظ على موقفه النقدي ثابتاً، و تبقى موجة التذبذب مسيطرة على الأسواق قبيل قمة القادة الأوروبيين التي ستبدأ اليوم.
ثقل كبير جداً يعلق حالياً على عاتق صناع القرار وسط تفاقم أزمة الديون السيادية في القارة الأوروبية، و حاجة الأسواق إلى بعض التحرير لتحسين مستويات الثقة التي تدهورت في الآونة الأخيرة نظراً لما لأزمة الديون من تبعات سيئة تثقل كاهل اقتصاد منطقة اليورو بشكل كبير، و تؤثر على الاقتصاد العالمي من ناحية أخرى، و هذا هو السبب الذي صعّد من الآمال المتعلقة بقمة القادة الأوروبيين.
اليوم، سنرى ما سيئول إليه البنك المركزي الأوروبي الذي أعزى عدم تدخله في أزمة الديون السيادية بشكل كبير نظراً للقوانين التي تمنعه من منح الحكومات الأوروبية أي مبالغ مالية مباشرة، على الرغم من الإلحاح المحلي و العالمي على ضرورة توسيع دور البنك في محاربة الأزمة و وضع حد لها ليمنعها من التفاقم.
تتزايد التوقعات حالياً أن يقوم المركزي الأوروبي باقتطاع سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس و ذلك ضمن المساعي لدعم مسيرة النمو المتواضعة جداً كما أظهرت القراءة الثانية لها خلال الربع الثالث، عند نمو اقتصاد منطقة اليورو عند وتيرة 0.2% على الصعيد الربع سنوي، في حين أن كل المؤشرات تشير إلى أن اقتصاد منطقة اليورو سيقع في دائرة الانكماش الطفيف و أنه سيسجل انكماشاً خلال الربع الرابع وسط تفاقم أزمة الديون و تفشيها في منطقة اليورو مهددة اقتصاد القارة بالأكمل، حيث شهدنا انكماش مختلف قطاعات الاقتصاد من صناعة و خدمات و بناء.
إن تفاقم أزمة الديون كان هو الدافع الأكبر لتشديد السياسات التقشفية للدول المتعثرة و التي تأمل لتخفيض نسب العجز في ميزانياتها إلى المستويات المستهدفة و السيطرة على الدين العام لها، و هذا ما كان له الأثر الواضح على مستويات الإنفاق و الطلب في المنطقة محدة بذلك من تسارع مسيرة النمو، على الرغم من قيام البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي بخفض سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس لتصل إلى 1.25%.
و الآن، تكثر آمال المستثمرين بأن يكون لقمة القادة الأوروبيين أثر مهم و كبير على أزمة الديون الأوروبية ليضعوا خطة محددة شاملة تعزي إلى الحد من تفاقم هذه الأزمة التي دفعت إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض على دول المنطقة من جهة أخرى، و لكن آمال المستثمرين المعلقة على القمة التي حسنت نوعاً ما من مستويات الثقة في الأسواق خفضت قليلاً من تكاليف الاقتراض على هذه الدول، حيث شهدنا تراجع تكاليف الاقتراض على البرتغال في مزاد بيع لسنداتها الحكومية أقامته أمس بقيمة مليار يورو من سنداتها ذات أمد ثلاثة أشهر، حيث وصل العائد لهذه السندات إلى 4.873% مقارنة مع العائد السابق 4.895%.
من المتوقع حسب تقرير أصدرته الفاينانشال تايمز أنه سيتم متابعة العمل بصندوق الاستقرار المالي الأوروبي الحالي بقيمة 440 مليار يورو و ذلك و بدأ العمل بمنتصف 2012 بآلية الاستقرار الأوروبي الجديدة بقيمة 500 مليار يورو أي ما يعادل ضعف سعة نظام الاستقرار المالي بأكمله، وذلك للسيطرة على أزمة الديون السيادية.
نعلم الآن أن البنك المركزي الأوروبي سيقوم على الأغلب بخفض سعر الفائدة و الإفصاح عن برامج تحفيزية جديدة تهدف لدعم الاقتصاد، و أخذ إجراءات جديدة و تسهيلات جديدة تحد من حالة التجمد المنتشرة بين البنوك الأوروبية مثل استئناف منح قرةض طويلة الأجل للبنوك الأوروبية منعاً من تراجع نسبة الاقتراض بين البنوك كما أشرنا وسط تدني مستويات الثقة في القارة، و لكن هل سيتبع المركزي البريطاني نظيره الأوروبي أم أنه سيبقي على موقفه النقدي خوفاً من ارتفاع التضخم، كما أنه قد يكون قد استخدم جميع أوراقه لدعم الاقتصاد.
هذا و قد كان قد قام البنك المركزي البريطاني بالإعلان تقديمه آلية جديدة لتوفير السيولة بالجنيه الإسترليني للنظام المصرفي في حال استمرت الضغوط الاستثنائية التي تواجهها الأسواق المالية وسط ضيق شروط الائتمان بين البنوك البريطانية، و هي آلية ضمانات إعادة الشراء الممتدة" (Extended Collateral Term Repo) و التي سوف تمكن البنك من توفير السيولة بالجنيه الإسترليني لمدة شهر.
عدى عن ذلك، شهدنا كيف قام البنك المركزي البريطاني بتوسيع برنامج شراء الأصول ليصل إلى 275 مليار جنيه و ذلك ضمن المساعي لدعم الاقتصاد البريطاني المتهور و الذي يقع بين معضلتين النمو المتواضع و الارتفاع الحاد الذي تشهده مستويات التضخم في المملكة، و كيف أعلن وزير الخزينة عن خطط تحفيزية جديدة لدعم الشركات الصغيرة و المتوسطة في بريطانيا.
و ينحصر البنك المركزي البريطاني حالياً بين ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير، و تباطؤ مسيرة النمو في الاقتصاد الملكي وسط تفاقم أزمة الديون و مدى تأثيراتها على الاقتصاد البريطاني و لاسيما صادراته أيضاً، إلا أنه قد لا يُقدم على خطوة رفع سقف برنامج شراء الأصول في الوقت الراهن لما يعانيه الاقتصاد من عدم اتزان في الأسعار، و لكنه قد يتخذ هذه الخطوة في مطلع العام الجديد مع نهاية مدة البرنامج الحالي.
وبشكل عام، تبقى حالة التذبذب هي المسيطرة على الأسواق اليوم قبيل قرارات الفائدة اليوم من القارة الأوروبي، وسط احتمالية قيام القادة الأوروبيين بإصدار تعليقات أو تصريحات تشير إلى ماهية القرارات التي قد يتخذوها القادة في القمة التي ستبدأ فعالياتها اليوم، و ستنتهي غداً.