من أولف ليسينج
القاهرة (رويترز) - خفضت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا إمدادات الكيروسين إلى مناطق خاضعة لقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر في خطوة اعتبرها دبلوماسيون ومسؤولون بقطاع النفط محاولة لمنع قواته من استخدام الإمدادات في معركتها الدائرة منذ خمسة أشهر للسيطرة على العاصمة.
وقالت المؤسسة الوطنية للنفط إنها لا تنحاز إلى أي جانب في الصراع وإن هناك وقودا أكثر من كاف في الشرق للأغراض المدنية.
ويمثل خفض الكميات المرسلة إلى شرق البلاد في أغسطس آب عدولا عن موقف مؤسسة النفط الليبية، التي تعمل مع السلطات المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس ويتعين عليها أيضا التعاون مع قوات حفتر التي تسيطر على حقول نفط كبيرة.
وتعتبر المؤسسة نفسها خارج الصراع الدائر منذ نحو عشر سنوات للسيطرة على البلاد، وتكشف بيانات المؤسسة للأشهر الثلاثة السابقة أنها زادت إمدادات الكيروسين بشكل كبير إلى الشرق استجابة للطلب.
وقالت المؤسسة في بيان مرفق بالأرقام التي أرسلتها إلى رويترز تلبية لطلبها "أوقفت المؤسسة الوطنية للنفط جميع إمدادات الوقود الإضافية لحين الحصول على تأكيدات باقتصار استخدام الوقود على الأغراض المحلية وتلك الخاصة بالطيران المدني وعلى نحو يعكس الاستهلاك الحقيقي".
وقالت المؤسسة في بيان صدر في وقت لاحق يوم الجمعة "مخزونات وقود الطيران في المنطقة الشرقية أكثر من كافية لتغطية الطلب. كما تؤكد المؤسسة الوطنية للنفط عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع، وترفض بشدة أي محاولة للزج بها في الصراع القائم".
وتُظهر بيانات مؤسسة النفط أن إمدادات الكيروسين إلى مخازن مطارات في مناطق بوسط وشرق البلاد يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي حسبما ذكر مسؤول بالمؤسسة، انخفضت إلى نحو 5.25 مليون لتر في أغسطس آب.
وارتفع الرقم الشهري للإمدادات إلى ما يتراوح بين 7.3 مليون لتر و8.8 مليون لتر في الأشهر الثلاثة السابقة بما يزيد عن مثلي الكميات المسجلة في يناير كانون الثاني وفبراير شباط.
وقال مسؤولان بقطاع النفط تحدثا بشرط عدم نشر اسميهما إن المؤسسة الوطنية للنفط يساورها القلق من أن يستخدم الجيش الوطني الليبي الشحنات في حرب طرابلس. وقال دبلوماسيان أيضا إن ذلك هو سبب الخفض.
ولا تُفرق الأرقام بين الكيروسين المُستخدم في التدفئة والأغراض الصناعية محليا وبين الكميات المُستخدمة كوقود للطائرات لكن البيان قال إن الطلب على الكيروسين المستخدم كوقود للطائرات ارتفع.
وقال بيان المؤسسة "الطلب على وقود الطائرات زاد في الجزء الشرقي من البلاد على الرغم من أن عدد رحلات الطيران المدنية ظل بلا تغيير".
ولم يتمكن الجيش الوطني الليبي من اختراق الدفاعات في جنوب طرابلس منذ بدأ حملته في أبريل نيسان، لكن الصراع أودى بحياة ما يزيد عن 100 مدني وتسبب في نزوح أكثر من 120 ألفا، دون أي علامات على نهايته.
ورقم إمدادات الكيروسين لشهر أغسطس آب ما زال أعلى من 3.5 مليون لتر تقريبا وهي الكمية التي أرسلتها المؤسسة إلى الشرق في يناير كانون الثاني وفبراير شباط، مما يكشف حساسية المسألة للسكان المدنيين وحدود نفوذ حكومة طرابلس.
وعلى الرغم من أن السلطات في العاصمة تلقى دعما من الأمم المتحدة فإنها غير قادرة على بسط سيطرتها على أنحاء ليبيا، حيث تملأ جماعات مسلحة متنافسة فراغ السلطة الذي خلفته الإطاحة بمعمر القذافي في 2011.
ويلقى الجيش الوطني الليبي دعما من مصر ودولة الإمارات العربية وبعض القوى الغربية مثل فرنسا التي تعتبر حفتر قوة في "مكافحة الإرهاب" منذ أن أخرج المتشددين الإسلاميين من الشرق.
وفي أبريل نيسان، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصل هاتفيا بحفتر و"أقر بالدور الجوهري الذي يلعبه المشير حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية، وتناولا رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر".
وقال جليل حرشاوي الباحث في معهد كلينجنديل للعلاقات الدولية في لاهاي إنه لن يكون من الواقعي أن تقف قيادة المؤسسة الوطنية للنفط بجانب رئيس الوزراء فائز السراج المدعوم من الأمم المتحدة وتقطع علاقتها مع الجيش الوطني الليبي تماما.
وأضاف قائلا "المناخ الدولي العام أقل تأييدا لصنع الله (مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط) حاليا مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل عام".
*تجنب طرابلس
يقول مسؤولون في قطاع النفط الليبي ودبلوماسيون غربيون إن هناك مؤشرات إلى أن الشرق يسعى لتأسيس شركة لاستيراد الوقود، وهو ما سينتهك القانون الليبي، لإمداد قوات تعسكر قرب طرابلس، على بعد نحو ألف كيلومتر تقريبا من قاعدتها في بنغازي.
وأضافوا أن الأمم المتحدة أوقفت في الأشهر القليلة الماضية مساعي عدة من جانب الشرق لتصدير النفط عبر شركات صغيرة تعمل في الأساس من دبي، وهو ما كان سينتهك عقوبات الأمم المتحدة.
وقال متحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط "تأسيس أي كيان لتصدير واستيراد النفط الخام والمنتجات البترولية سينتهك القانون الليبي والدولي، والذي بموجبه تملك المؤسسة الوطنية للنفط منفردة الحق القانوني لفعل ذلك".
ونفى عبد السلام البدري نائب رئيس الوزراء في حكومة شرق البلاد القيام بمساع لتصدير أو استيراد الوقود. ولم يرد مبروك سلطان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الموازية التي أسسها قادة شرق البلاد على رسائل ومكالمات هاتفية متكررة.
ويتلقى حفتر مساعدات عسكرية من مصر والإمارات وفقا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، لكنه يواجه صعوبات في تمويل إدارته الموازية. ويسدد البنك المركزي في طرابلس رواتب البعض فقط من موظفي الحكومة في شرق ليبيا.
ويقول دبلوماسيون إن الجيش الوطني الليبي يستخدم في الأساس طائرات مسَيرة وكذلك طائرات من جيش القذافي وينقل كل شيء، من الذخائر إلى الأغذية والجنود، إلى قاعدتين جويتين في الجفرة بوسط ليبيا وبراك في الجنوب حيث تواصل رحلتها برا. وتسيطر قوات موالية للجيش الوطني الليبي على قاعدة في الزنتان بغرب ليبيا.
وتعمل رحلات طيران تجارية من الشرق أيضا، لكن تحويل وقود الطائرات منها سيكون مسألة صعبة سياسيا، إذ أنها مهمة لأغراض الرعاية الطبية والأعمال.
وتحصل قوات متحالفة مع السراج أيضا على الوقود من مؤسسة النفط الليبية. ولم ترد المؤسسة حتى الآن على طلب للتعقيب بشأن ما إذا كانت قيّدت تلك الإمدادات أيضا.
وحلفاء السراج أقل اعتمادا على الوقود مقارنة مع الجيش الوطني الليبي لأن خطوط الإمدادات أقصر، كما أنهم قلصوا ضرباتهم الجوية بعد أن قصف الجيش الوطني الليبي على مطارات في غرب البلاد.
(الدولار = 1.4060 دينار ليبي)
(إعداد معتز محمد للنشرة العربية - تحرير وجدي الألفي)