يتسبب ارتفاع الدولار الأمريكي، في دفع الاقتصاد العالمي نحو تباطؤ متزامن عبر ارتفاع تكاليف الاقتراض وإذكاء تقلبات الأسواق المالية، ولن يلوح في الأفق سوى قليل من الراحة.
وارتفع مقياس الدولار المراقب عن كثب بنسبة 7% منذ يناير إلى أعلى مستوى في عامين، إذ يشرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في سلسلة عدوانية من زيادات أسعار الفائدة للحد من التضخم، واشترى المستثمرون الدولار كملاذ وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي.
ويجب أن تساعد العملة المرتفعة، “الاحتياطي الفيدرالي” على خفض الأسعار ودعم الطلب الأمريكي على السلع من الخارج، لكنها تهدد أيضاً برفع أسعار الواردات للاقتصادات الأجنبية، ما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم فيها واستنزاف رأس المال.
ويعد هذا الأمر مثيرا للقلق بشكل خاص بالنسبة للاقتصادات الناشئة، التي تضطر إما للسماح لعملاتها بالانخفاض، أو التدخل لتهدئة انحدارها، أو رفع أسعار الفائدة الخاصة بها في محاولة لدعم مستويات صرف العملات الأجنبية لديها، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ورفعت كل من الهند وماليزيا أسعار الفائدة بشكل مفاجئ في مايو الحالي، واتخذت الهند أيضاً إجرءات لدعم سعر الصرف.
ولم تنج الاقتصادات المتقدمة أيضاً، إذ سجل اليورو الأسبوع الماضي أدنى مستوى جديد له في خمسة أعوام، وضعف الفرنك السويسري ليبلغ التكافؤ مع الدولار لأول مرة منذ عام 2019، واضطرت سلطة النقد في هونج كونج إلى لتدخل للدفاع عن ربط عملة بلادها، كما عانى الين مؤخراً من تراجع قيمته لأدنى مستوياتها في عقدين من الزمن.
قال تولي ماكولي رئيس اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ في “سكوتيا بنك”، إن “الوتيرة السريعة التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة تثير المشاكل لعدة اقتصادات أخرى في العالم، مما أثار التدفقات الخارجة وضعف العملة”.
رغم أن الجمع بين تباطؤ النمو الأمريكي وتهدئة التضخم المتوقعة في الولايات المتحدة ستؤدي في النهاية إلى تباطؤ صعود الدولار، والذي بدوره سيؤدي للضغط على البنوك المركزية الأخرى للتشديد، فإن الأمر قد يستغرق شهوراً لإيجاد هذا التوازن الجديد.
تتعرض الاقتصادات النامية لخطر “تفاوت العملات”، والذي يحدث عندما تقترض الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية بالدولار الأمريكي وتعيد عملية الإقراض بعملتها المحلية، بحسب كلاي لوري، مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق للشؤون الدولية والذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس التنفيذي في معهد التمويل الدولي.
ولا شك أن النمو العالمي سيتوقف بشكل أساسي خلال العام الحالي مع دخول أوروبا في ركود، وتباطؤ الصين بشكل حاد وتشديد الأوضاع المالية الأمريكية بشكل كبير، بحسب توقعات معهد التمويل الدولي الجديدة.
ويتوقع اقتصاديون “مورجان ستانلي” أن تكون وتيرة النمو خلال عام 2022 أقل من نصف الوتيرة المسجلة عام 2021.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وسط التقلبات العالمية المستمرة- بدءاً من الحرب في أوكرانيا إلى عمليات الإغلاق المفروضة للسيطرة على تفشي كوفيد في الصين- تحرك المستثمرون للبحث عن الأمان.
قال لوري: “لطالما كانت الولايات المتحدة ملاذاً آمناً.. مع ارتفاع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي ومن أسعار السوق، قد يتدفق مزيد من رأس المال إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يضر بالأسواق الناشئة”.
وذكر معهد التمويل الدولي أن الأوراق المالية للاقتصاد الناشئ سجلت تدفقات خارجة بقيمة 4 مليارات دولار في أبريل، كما تراجعت عملات الأسواق الناشئة وتكبدت السندات في آسيا الناشئة خسائر بنسبة 7% خلال العام، وهي ضربة أشد من تلك التي تعرضت لها خلال نوبة الغضب في 2013.
قال روب سوبارامان، رئيس أبحاث الأسواق العالمية في شركة “نومورا هولدينجز”، إن “السياسة النقدية الأمريكية الأكثر تشدداً سيكون لها تداعيات كبيرة على بقية العالم”.
يقول العديد من المصنعين إن التكاليف المرتفعة التي يواجهونها تعني أنهم لا يحصلون على الكثير من أرباح الأسهم نتيجة العملات الأضعف.
وتوقعت شركة “تويوتا موتور” انخفاضاً بنسبة 20% في الأرباح التشغيلية للعام المالي الحالي، رغم إعلانها تسجيل مبيعات سنوية قوية للسيارات، مشيرة إلى ارتفاع “غير مسبوق” في تكاليف الخدمات اللوجستية والمواد الخام، لكنها لا تتوقع أن يؤدي ضعف الين الياباني إلى ارتفاع “كبير”.
وانخفض اليوان الصيني مع انسحاب التدفقات القياسية لرؤوس الأموال من الأسواق المالية في البلاد، كما أنه لا يزال حالياً بمعزل عن التأثير الأوسع للدولار ،إذ يسمح التضخم المنخفض في الداخل للسلطات بالتركيز على دعم النمو، لكن هذا يسبب مصدراً آخر للهشاشة للدول النامية المعتادة على اليوان القوي الذي يعرض أسواقها كمرساة.