بغداد، 4 مارس/آذار (إفي):- تعد الانتخابات التشريعية المقرر عقدها الاحد المقبل في العراق بمثابة خطوة اساسية لانسحاب تدريجي للقوات الامريكية من هذا البلد العربي، بعد ان تسبب تواجدها في مشاعر متباينة بين العراقيين على اختلاف اطيافهم والوانهم، بما فيهم الزعماء السياسيين.
فالقوات الامريكية، التي قامت بغزو العراق في 2003 على رأس تحالف دولي تمكن من الاطاحة بنظام صدام حسين، واجهت منذ ذلك التاريخ العديد من الاعداء، الذين تفننوا في مراوغتها بشتى الطرق وفي مختلف المحافظات العراقية.
ويصل عدد تلك القوات في الوقت الحالي إلى ما يقرب من 96.000 فرد، تخطط الاداة الامريكية لسحب نصفهم قبل الاول من سبتمبر/أيلول القادم، عندما تستقر الحالة السياسية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويشار الى ان الاتفاقية الأمنية التي وقعت بين العراق والولايات المتحدة في ديسمبر 2008 تنص على اكتمال الانسحاب الامريكي أواخر عام 2011 طبقا لجدول زمني، وافقت عليه ايضا إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما، واكدت انها لا تنوى ادخال اية تعديلات عليه.
والمراقب للوضع في العراق، يجد انه اذا كانت تلك القوات قد واجهت خلال السنوات الاربعة أو الخمسة السابقة مجموعات مسلحة دأبت على ان تطلق عليها اسم "المتمردين"، بينما كانت تلك الجماعات تنسب نفسها للمقاومة العراقية، فالامر قد تغير في الوقت الحالي بعد ان ارتبط العنف بشكل لا لبس فيه بجماعات ارهابية تستهدف في المقام الاول المواطن والمؤسسات العراقية.
ويدعم هذا التحليل العديد من السياسيين العراقيين، من بينهم النائب المستقل، عزت الشاهبندر، المقرب لرئيس الوزراء نوري المالكي، والذي اعتبر في تصريح لـ(إفي) ان "العنف الحالي غير مرتبط بالامريكان، سواء كانوا موجودين أو غير موجودين".
يذكر ان ما يقرب من 3.500 جندي امريكي قد لقوا حتفهم في العراق منذ الغزو، ولكن الهجمات على القوات الامريكية بدأت في التراجع منذ فترة، والجنود الذين يفقدون حياتهم في مهام قتالية في الوقت الحالي تكون وفاتهم أو اصاباتهم ناتجة عن عمليات محدودة ومتقطعة.
وكان وزير الدفاع الامريكى روبرت جيتس، قد أعلن مؤخرا ان الولايات المتحدة لن تغير خططها بشأن الانسحاب التدريجي من العراق، ما لم يكن هناك تدهور "حاد" في الوضع الامني يكون كافيا لإحداث تأخير في الجدول الزمني للإنسحاب، واضاف "اننا لا نرى هذا الوضع حتى الآن".
واذا افترضنا ان التدهور في الوضع لن يصل للدرجة التي قد تؤخر الانسحاب، فان هذا يعني ان القوات الامريكية سوف تترك العراق دون ان تحقق احد اهم اهداف تواجدها في الاراضي العراقية، ألا وهو اقرار الامن، وهى المهمة التي سوف تقع على عاتق نحو مليون من افراد الجيش والشرطة العراقية.
وفي هذا الصدد تبرز احدى نقاط الاختلاف بين بعض السياسيين العراقيين، الذين يتخوف بعضهم، وخاصة السنة منهم، من تنامي النفوذ الايراني بعد رحيل القوات الامريكية، ومن بينهم صالح المطلك الذي قال لـ(إفي) "اننا جميعا نريد ان ترحل (القوات الامريكية)، ولكن رحيلها سوف يكون سيئا اذا ما ارادت نقل السيادة لإيران".
فالولايات المتحدة، على حد قول المطلك، أوجدت فراغا بعد ان قررت حل وتدمير الجيش العراقي خلال وبعد الغزو، الذي بدأ في مارس/آذار من عام 2003.
واعتبر المطلك ان واشنطن "اذا ارادت ان تملأ ايران هذا الفراغ، فسوف يكون هذا هو الشيء السيء، ولكن إذا ارادت حل المشاكل قبل أن تغادر العراق فسوف يكون مرحبا بها".
يشار إلى ان الولايات المتحدة، حسب تصريحات العديد من مسئوليها، ترغب في سحب قواتها من العراق لارسالها إلى جبهات جديدة في أفغانستان، وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك مسائل لم تحل في العراق، إلا انه سوف يكون من الصعب تواجد قوات امريكية في الاراضي العراقية خارج الجدول الزمني المعد للإنسحاب.
ويؤكد احد الدبلوماسيين المعتمدين في العراق ان واحدا من المسئولين الامريكيين اكد لمجموعة من الدبلوماسيين الغربيين خلال اجتماع خاص عقده معهم في العاصمة العراقية، ان القوات الامريكية "سوف ترحل سواء كان رحيلها سلميا أو مؤلما".
وعلى اية حال، فهناك بعض السياسيين العراقيين، من بينهم الشاهبندر، الذين يعتبرون ان رحيل القوات الامريكية "سوف يعطي مزيدا من القوة للحكومة" العراقية، سواء كانت حكومة المالكي، أو اية حكومة اخرى يتم تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ولكن على مستوى المواطن العادي في شوارع بغداد، التي لم ترى جنودا امريكيين منذ منتصف العام الماضي، بعد نقل مهام الامن فيها للعراقيين، فهناك العديد من المخاوف والشكوك التي يعبر عنها احد الباعة، على نامح، بقوله: "الامر كله عبارة عن فوضى.. فاذا ذهبوا سوف يكون هناك فوضى، وإذا بقوا أيضا".
ومن جانبه يعتبر على ناصر، وهو نجار في الثلاثينيات من عمره، ان "وجود الجيش الامريكي يعطى نوعا من الثقة"، في حين يرى العميد المتقاعد فؤاد النعيمي ان الانسحاب الامريكي قد تكون له تبعات "خطيرة للغاية" في المستقبل، خاصة وان الجيش العراقي يفتقر للتدريب الجيد، كما يفتقر للمعدات اللازمة للقيام بمهام أساسية، مثل حماية الحدود.
كما يعتبر النعيمي، الذي كان يقود مجموعة من القوات العراقية خلال حكم نظام صدام حسين، ان الجيش العراقي بوضعه الحالي "عديم الجدوى"، وعليه فهو يرى ضرورة لأن تبقي القوات الامريكية لمدة "ثلاثة اعوام اخرى على اقل تقدير" حتى يتجنب العراق "وضعا يصعب السيطرة عليه". (إفي)