باريس، 19 مايو/آيار (إفي): شنت الحكومة الفرنسية اليوم ما اعتبره مراقبون بأنه "حملة صليبية" على النقاب، لدى تقديمها مشروع قانون لحظر ارتدائه في الشوارع والأماكن العامة، في مبادرة قانونية تحظى بدعم رئيس البلاد نيكولا ساركوزي، في ظل رفض المعارضة الاشتراكية والجالية الإسلامية.
وتسعى الحكومة الفرنسية عبر فرض عقوبات مالية تصل إلى 150 يورو على النساء اللاتي يرتدين البرقع أو النقاب، إلى القضاء على هذا الزي الإسلامي، الذي يعتبره ساركوزي مناهضا لكرامة المرأة وللقيم الأساسية لبلاده.
ويفرض القانون عقوبات أكثر صرامة، تصل إلى السجن لمدة عام وغرامة حتى 15 ألف يورو على الرجال الذين يجبرون زوجاتهم على ارتداء النقاب، أو على أي شخص يجبر آخر، عن طريق التهديد أو العنف أو إساءة استعمال السلطة على إخفاء وجهه بسبب جنسه.
وهكذا تراهن الحكومة الفرنسية على أشد السبل الممكنة لحظر النقاب، ولكن مشروع القانون قد لا يحظى في النهاية بدعم الدستور، الذي سيقرر إذا ما كان النص الحكومي يتعدى على استقلالية الحياة الشخصية.
وتتحدى الحكومة رأي مجلس الدولة الفرنسي، وهو هيئة استشارية تصدر قرارات غير ملزمة، الذي عارض مرتين منع ارتداء النقاب في الشوارع، على اعتبار انه يثير "شكوك دستورية قوية".
إلا أن الحكومة تثق في أن مبادرتها القانونية ستتجاوز هذه التحديات، وتضرب المثل على ذلك بمنع سير المواطنين عراة في الشوارع، في حين أن لا احد يحتج على هذا القانون باسم الحرية الفردية.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد حمل اليوم راية حظر النقاب، بعد أن أبدى كامل دعمه لمشروع قانون حظر ارتداء النقاب، الذي اعتبره "طريقا عسيرا ولكنه عادلا".
وقال ساركوزي خلال اجتماع مجلس الوزراء، الذي قدمت خلاله وزيرة العدل الفرنسية ميشيل أليو ماري مشروع القانون، إن "الحجاب الكامل الذي يخفي وجه المرأة تماما لا يتماشى مع القيم الأساسية الواردة في الميثاق الجمهوري"، مضيفا أن المسلمين ينبغي أن يشعروا بأنهم يعاملوا باحترام، ولكن فرنسا "دولة قديمة متحدة حول فكرة كرامة الإنسان، وبالأخص كرامة المرأة".
وفيما يتعلق بمعارضة مجلس الدولة، قال ساركوزي إن هذه الهيئة الاستشارية من حقها أن تمارس دورها، ولكن الحكومة والبرلمان هما المختصان باتخاذ قرار حول "ماهية المجتمع والجمهورية والحضارة والقيم التي ينبغي العيش فيها وبها".
وتشير بعض الدراسات إلى أن ألفين امرأة فقط يرتدين النقاب في فرنسا، ويتركز أغلبهن في مجموعة من الأحياء الواقعة بضواحي المدن الكبرى، حيث يعيش معظم أفراد الجالية الإسلامية.
وكي لا تواجه الحكومة الفرنسية اتهامات بشن حملة صليبية ضد الإسلام، بدأت السلطات حملة لدعم مشروع القانون باعتباره دفاعا عن حقوق المرأة، مشيرة إلى أن السلطات ستفرض على المدانين الخدمات العامة بدلا من عقوبة الغرامة في الستة أشهر الأولى.
واعتبرت وزير العدل الفرنسية أن "النساء هن ضحايا" لهذا النقاب، وان فرنسا ترتقي عبر هذه المبادرة القانونية إلى نفس مستوى الكثير من الدول الإسلامية، حيث يتم حظر النقاب، على حد قولها.
ومن المقرر أن يطرح مشروع القانون للنقاش في البرلمان اعتبارا من يوليو/تموز المقبل، حيث ينتظر أن يواجه تحفظات من جانب المعارضة، التي تؤيد حظر النقاب في المنشآت العامة ووسائل المواصلات الحكومية، وليس في الشوارع.
ولا تساند المعارضة الاشتراكية، التي أيدت الأسبوع الماضي قرارا برلمانيا لإدانة النقاب، مشروع القانون الجديد، على اعتبار انه مبالغ فيه ويتعدى على الحياة الخاصة لمن يرتدونه.
كما أنها تخشى أن يساهم قانون متشدد كهذا في زيادة حدة المواقف المتطرفة، وتعتقد أن ذلك يمكن أن يمثل مشكلة اكبر من ارتداء ألفين سيدة للبرقع أو النقاب.
وليس أدل على احتمالات زيادة حدة التطرف بسبب الجدل القائم حول مشروع القانون الجديد، ما حدث الليلة الماضية أثناء جلسة نقاش عقدها نواب اشتراكيون في احد الضواحي الفرنسية، للإطلاع على آراء سكانها، وأغلبهم من المسلمين، حول حظر النقاب.
فقد اقتحم ناشطون تابعون لجماعة راديكالية متضامنة مع فلسطين جلسة النقاش بشكل عنيف، مما دفع قوات الشرطة إلى التدخل واجبر المسئولين على وقف الحوار.
ومثال آخر على ذلك هو البلاغ الذي تقدمت به شابة مسلمة منذ عدة أيام ضد سيدة، اتهمتها بالاعتداء عليها أثناء خروجها من احد المتاجر بسبب ارتدائها النقاب.
ويعارض القادة المسلمون الفرنسيون، ممن لا يؤيدون ارتداء النقاب، مشروع القانون الذي يعتبرونه تعديا على إحدى ممارسات "الأقلية"، التي يمكن أن تسيء إلى صورة الإسلام.(إفي)