من طارق عمارة و اولف ليسينج
سوسة(تونس) (رويترز) - يستلقي عشرات السياح على أرائك على شاطئ فندق تونسي فخم تغير بشكل كامل كل شيء فيه من حمام السباحة إلى طلاء الجدران والأثاث في بهو الاستقبال الذي اقيمت بوابة للشرطة بالقرب منه.. بل وتغير أيضا اسم الفندق.
لا شئ هنا يذّكر السياح بما حدث في أحد أيام يونيو حزيران 2015 ، -حين هاجم إسلامي متطرف يرتدي لباس البحر ويحمل بندقية كلاشنيكوف المصطافين وقتل 39 منهم بينما كانوا يستمتعون بالشمس والبحر- وهو ما أدى الى عزوف كبير للسياح عن تونس ومزيد من المصاعب لاقتصادها الواهن.
لكن بفضل تشديد الرقابة الأمنية والحضور القوي لقوات الأمن وحملة ترويج قوية للسياحة التونسية بدأت بوادر الانفراج والانتعاشة تهب على هذا القطاع الحيوي وتساعد في نمو الإيرادات بنسبة 21 بالمئة في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي لتصل إلى 851 مليون دولار.
وتساعد هذه الانتعاشة الحكومة على مواجهة أزمتها الاقتصادية في الوقت الذي تستعد فيه لعرض ميزانية تقشفية تتضمن زيادات في الضرائب بهدف تحقيق الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي في مقابل الحصول على شريحة جديدة من قرض بقيمة 350 مليون دولار.
ولا يزال السياح الغربيون مترددين نسبيا في العودة إلى تونس رغم أن معظم البلدان رفعت حظر السفر. لكن الفنادق تمكنت من ملأ الغرف من تدفق للزائرين الجزائريين والروس الذين يتجنبون زيارة مصر منذ أن أسقط تنظيم الدولة الإسلامية طائرة ركاب روسية في عام 2015.
وقالت جالينا راسبيتوف، وهي سائحة روسية، بينما كانت تستريح في حانة بالفندق الذي قتل فيه العشرات قبل عامين برصاص متطرف إسلامي " كل شئ يبدو رائعا هنا.. نحن نستمتع هنا ونقضي عطلة رائعة.. الأمن هنا أفضل من مصر".
وأضافت قائلة بينما كانت تهم بالعودة إلى الشاطئ "بلا شك سنعود إلى تونس مرات أخرى".
وبعد إغلاق استمر عامين في أعقاب الهجوم، فتح الفندق أبوابه من جديد وحمل اسم جديد "شتيجينبرجر قنطاوي باي" بعد أن كان اسمه "إمبريال مرحبا".
وقالت زهرة دريس مالكة الفندق "الحجوزات بلغت ذورتها وكل الغرف محجوزة بالكامل حتى شهر أكتوبر المقبل".
وأضافت دريس التي تملك فنادق أخرى في منتجع سوسة السياحي إنها متفائلة بإستعادة صناعة السياحة في تونس للنسق العادي بدفع من أسواق مثل السوق الروسية والجزائرية. وقالت إن الهدف سيكون أيضا إستعادة المزيد من السياح من بريطانيا وألمانيا وهم من الزبائن المهمين أيضا.
وتسهم صناعة السياحة بنحو 8 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي وهو أكبر قطاع مشغل للأيدي العاملة بعد القطاع الزراعي وأهم مصدر لجلب العملة الأجنبية. لكن تونس تكافح منذ 2015 لإنعاش القطاع الذي تعرض لهزة قوية نتيجة هجومين تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية.
وقتل في الهجوم الأول 21 سائحا غربيا عندما هاجم مسلحون متحف باردو في العاصمة تونس بينما قتل 39 سائحا أغلبهم من البريطانيين حينما هاجم مسلح مصطافين بفندق في سوسة.
ومنذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر أيلول زاد عدد السياح الذين زارو تونس 23.4 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي ليصل إلى 5.366 مليون سائح مع توقعات بأن يصل العدد إلى 6.5 مليون بنهاية السنة الحالية.
لكن التحدي لا يزال قائما بشدة للمحافظة على انتعاش هذا القطاع الهش مع عودة مزيد من الجهاديين من سوريا وليبيا إثر الهزيمة التي لحقت بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وليبيا والعراق.
وارتفع عدد السياح الأوروبيين بنسبة 16.5 بالمئة هذا العام لكن العدد ما زال أقل من معدلات 2015.
وتأمل تونس بأن يزيد تدفق الأوروبيين العام القادم مع إعادة شركات سياحية كبرى رحلاتها إلى تونس من بينها توماس كوك التي أعلنت عودتها إلى السوق التونسية بعد توقف استمر عامين.
لكن السياح الجزائرين كانوا قوة دفع ودعم كبيرة لصناعة السياحة في تونس هذا العام حيث بلغ عددهم حوالي 1.8 مليون سائح أو بارتفاع بنسبة 44 بالمئة مقارنة مع الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي.
وقال ناجي بن عثمان المدير العام بوزارة السياحة لرويترز " نتطلع لجذب مزيد من السياح العام المقبل من وجهات جديدة مثل الصين وكندا ولكن سنواصل التركيز على الأسواق التقليدية الأوروبية ومن بينها الألمان والبريطانيين".
ومنذ 2015 عززت السلطات الحضور الأمني في سوسة وباقي المنتجعات السياحية في البلاد. وأقامت الشرطة حواجز ثابتة على الطرقات المؤدية إلى الفنادق وعلى الشواطئ وفي المطارات وكل المواقع السياحية. وشنت القوات الأمنية حملات واسعة ضد متشددين إسلاميين وفككت عشرات من "الخلايا النائمة" التي كانت تعتزم شن مزيد من الهجمات.
ومع الفنادق التي تشبه الحصون يختار الكثير من السياح البقاء في الداخل للاستمتاع بشمس تونس وبحرها الساحر مستفيدين من نظام "خدمات شاملة" بينما يحجمون في أغلب الأوقات عن شراء الهدايا من المتاجر السياحية والمقاهي في المدينة العتيقة. لكن كثيرين يقولون إن السياح الروس أو السياح الجزائريين الذي يأتون إلى تونس في عرباتهم عبر الحدود البرية لا ينفقون مثل السياح التقليديين كالبريطانيين أو الألمان.
ويقول لطفي عون، وهو بائع في متجر للهدايا التقليدية في المدينة العتيقة في سوسة " هم يأتون هنا فقط للتفرج والتقاط الصور وكأنه متحف.. حتى منتصف هذا اليوم مثلا لم أبع أي هدية..الأمر تغير كثيرا بالنسبة لنا".
(تغطية صحفية للنشرة العربية طارق عمارة- تحرير وجدي الالفي)