من أندرو تورشيا
الرياض (رويترز) - دخل أول قانون شامل للإفلاس في السعودية حيز النفاذ الشهر الماضي، وهو أحد إصلاحات كثيرة للنظام التشريعي يقول خبراء اقتصاديون إنها أكثر أهمية في الأجل الطويل من عمليات خصخصة لأصول كبيرة.
وتجتذب "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على إيرادات النفط، الاهتمام بما تتضمنه من مبادرات مرتفعة القيمة، مثل منطقة اقتصادية باستثمارات 500 مليار دولار وخطة لبيع جزء من شركة النفط المملوكة للدولة، جرى تجميدها في الوقت الحالي.
واجتذبب الإصلاحات التشريعية قدرا أقل في تغطية وسائل الإعلام لأنها تنطوي على مسائل فنية للغاية، لكنها شاملة وتتراوح من قوانين جديدة إلى إنشاء محاكم وتدريب قضاة، وتسارعت الإصلاحات على مدى العامين الماضيين.
ويتيح قانون الإفلاس الجديد مسارا واضحا للشركات التي تعاني مشاكل للحصول على حماية من الدائنين في الوقت الذي تقوم فيه بإعادة الهيكلة، أو للشركات التي ستوضع قيد التصفية، وربما يفرج القانون عن مليارات من الدولارات مجمدة حاليا في نزاعات بشأن الديون.
ولا تزال هناك شكوك بشأن النظام التشريعي، سُلط الضوء عليها مع احتجاز رجال أعمال ومسؤولين سعوديين كبار في حملة على الفساد العام الماضي، لكن الإصلاحات تغير بيئة العمل للشركات.
وقال بروس ماك أليستر المستشار العام لشركة جنرال إلكتريك الصناعية العملاقة وهي من كبار المستثمرين الأجانب "على الرغم من أن رؤية 2030 ما زالت واجهة التغيير في السعودية، فإن القوة الدافعة الكامنة تظل التغييرات الملموسة والمؤثرة التي أُجريت على القوانين والتشريعات المحلية التي تقود الاستثمار".
وأشار إلى قانون الإفلاس وقوانين أخرى تتعلق بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، وقوانين تسمح بتملك الأجانب للشركات التجارية بنسبة 100 في المئة.
وقال جراهام نيلسون رئيس مكتب الرياض لدى التميمي وشركاه "عملية الإصلاح التشريعي تحرز تقدما. عملها يتقدم وستستغرق المزيد من الوقت، لكن البيئة تتغير بوضوح".
وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد في المملكة 1.4 مليار دولار فقط في 2017، بما يقل عن دول أصغر في المنطقة مثل سلطنة عمان. ويقول رجال أعمال في أحاديثهم الخاصة إنه بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، فإن النظام التشريعي الذي لا يمكن التكهن به قد يؤدي إلى تذبذب قراراتهم.
*التوافق مع الشريعة
وعلى مدار عقود، لم تفعل السعودية شيئا يذكر لتطوير قوانينها التجارية بسبب اعتمادها بقوة على استثمار تقوده الدولة في قطاع النفط.
أيضا، يقوم النظام القانوني على الشريعة، وهي مجموعة من المبادئ الإسلامية التي تشدد على فكرة العدالة وتمنح وزنا ضئيلا للسوابق القانونية، والكثير من الشركات الأجنبية قادمة من مناطق تطبق قوانين تقليدية حيث السوابق مسألة ذات أهمية.
ولا تغير الإصلاحات الأسس الدينية للنظام، لكنها تهدف إلى جعل المسائل التجارية أكثر سلاسة وأكثر قابلية للتنبؤ، مع مؤسسات وإجراءات قانونية جديدة.
وعلى سبيل المثال، ستشرف لجنة خبراء على قضايا الإفلاس. ويقول مصرفيون إن هذا قد يسرع في نهاية المطاف تسوية نزاعات استمرت طويلا مثل مأزق مضى عليه تسع سنوات يتعلق بديون قيمتها 22 مليار دولار خلفتها الشركتان المنهارتان مجموعة سعد وأحمد حمد القصيبي وإخوانه.
ويقول تيم كالين رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية إن توقعات الصندوق بتسارع نمو الاقتصاد غير النفطي من 1.1 بالمئة في العام الماضي إلى أكثر من ثلاثة بالمئة في أوائل العقد المقبل تستند بشكل جزئي إلى إصلاحات تشريعية.
وجرى إنشاء محاكم تجارية متخصصة ومحاكم استئناف العام الماضي، مع تدريب قضاة على التعامل مع أنواع متخصصة من النزاعات الاقتصادية.
وفي 2016، اُفتتح المركز السعودي للتحكيم التجاري، الذي يقدم خدمات لنحو 125 محكما يعملون عبر 11 لغة.
وقال حامد بن حسن ميرة الرئيس التنفيذي للمركز إن المركز عقد اجتماعات مع كبرى الشركات السعودية والأجنبية لإقناعها بأن تتضمن عقودها اللجوء إلى المركز السعودي للتحكيم التجاري للتحكيم في عقودها.
*الإنفاذ
تهدف مثل تلك المساعي إلى تحسين الأحكام التجارية داخل السعودية. وتسعى إصلاحات أخرى إلى طمأنة الشركات الأجنبية عبر ربط البلاد على نحو وثيق بشكل أكبر مع النظام التشريعي في الخارج.
وفي السابق، نادرا ما طبقت المحاكم السعودية أحكام المحاكم ومراكز التحكيم الأجنبية ضد الشركات السعودية. لكن هذا يتغير، وتلقت البلاد 163 طلبا لتنفيذ أحكام خارجية بقيمة 667 مليون دولار في العام الماضي.
ومن بين عدد من حالات التطبيق الناجحة للأحكام في الأشهر الأخيرة، تقول وزارة العدل إن محكمة في الرياض نفذت حكما أمريكيا يقضي بأن تدفع شركة سياحة سعودية 3.8 مليون دولار، وأمرت محكمة في جدة شركة تعدين سعودية بدفع 10.1 مليون دولار إلى شركة صينية. ولم تذكر الوزارة أسماء الشركات.
ويقول جلين لوفيل الشريك في الرياض لدى كلايد آند كو للمحاماة إن السلطات بدأت أيضا استخدام قانون للإنفاذ يرجع إلى عام 2013 يمنح القضاة مجالا أقل لاستخدام سلطتهم التقديرية، لذا فإن الشركات الأجنبية التي تسعى للحصول على تعويضات قد تحصل حاليا على نتيجة في بضعة أشهر.
لكن الشكوك بشأن النظام التشريعي السعودي لم تختف. ويعتمد الكثير على مدى سرعة واستمرار المحاكم في تطبيق القوانين الجديدة، فقانون الإفلاس على سبيل المثال لم يُختبر في الممارسة الفعلية حتى الآن.
ويرتبط الكثير من المسائل التي تظل مقلقة للمستثمرين الأجانب بسعي الحكومة لدفع المواطنين السعوديين ليحلوا محل وظائف يشغلها أجانب عبر فرض حصص ورسوم لتصاريح الإقامة. وتجد الشركات صعوبة في الحصول على تصاريح وتأشيرات للعاملين الأجانب وعائلاتهم، وتأمل في أن تدير السلطات النظام على نحو أكثر يسرا وشفافية.
وأثارت حملة القبض على عدد من رجال الأعمال والمسؤولين العام الماضي أسئلة جدية. وتفاصيل الاتهامات و"التسويات المالية" التي دفعها المحتجزون قبل إطلاق سراحهم لم يتم نشرها علانية على الإطلاق.
ويقلق هذا بعض رجال الأعمال السعوديين، لكن لوفيل يقول إن الحملة ربما أدت في نهاية المطاف إلى طمأنة المستثمرين الأجانب، إذ أنها جعلت جميع الأطراف في الاتفاقات التجارية أكثر تدقيقا بشأن تفادي أي مظهر لتضارب المصالح.
(شاركت في التغطية مروة رشاد في الرياض - إعداد معتز محمد للنشرة العربية - تحرير وجدي الالفي)