استهلت الولايات المتحدة الأمريكية العام الميلادي الجديد 2010 بإظهار المزيد من الدلائل والعلامات على التعافي والانتعاش الإقتصادي، مما يوضح بأن عجلة التعافي من أسوأ أزمة إقتصادية منذ الكساد العظيم لا تزال مستمرة، حيث واصلت الأنشطة الإقتصادية التحسن التدريجي، فعلى ما يبدو بأن تبعات أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم انتهت، ذلك لأن جميع القطاعات ضمن الإقتصاد الأمريكي أظهرت ارتفاعاً ملحوظاً في أنشطتها خلال الأشهر القليلة الماضية، ليصدق البنك الفدرالي الأمريكي حين قال بأن العام 2010 هو عام التعافي والانتعاش.
ويعد القطاع الصناعي أحد أول القطاعات التي خرجت من دائرة الركود الإقتصادي الذي يعم البلاد، حيث بدأت الأنشطة ضمن القطاع في التوسع منذ شهر آب 2009 ، فعلى ما يبدو بأن المصنعين ألقوا أسوأ ما في هذا الركود خلف ظهورهم، ذلك بأننا شهدنا تواصل تسجيل قطاع معهد التزويد الصناعي تحسناً في أنشطة القطاع، مما ألقى بظلاله على مؤشر معهد التزويد الصناعي ليواصل الارتفاع خلال شهر كانون الأول، ومن جهة أخرى فقد ارتفعت طلبات المصانع الأمريكية خلال تشرين الثاني، مما يعطينا بالتأكيد دليلاً آخر على تحسن أنشطة القطاع الصناعي.
وبإمعان النظر نجد أن القطاع الصناعي استعاد بعضاً من عافيته في ظل التحسن الحالي في الأوضاع الإقتصادية، حيث بدأ المصنعون برفع سقوف انتاجهم نظراً لتحسن مستويات الطلب، على الرغم من أن مستويات الطلب بشكل عام ما زالت ضعيفة، ولكن التطلعات المستقبلية تبدو مشجعة، ذلك بأن أسوأ ركود في القطاع الصناعي منذ مطلع الثمانينيات وصل إلى نهايته.
وعلى صعيد آخر فقد أظهرت البيانات والأخبار الإقتصادية الصادرة عن قطاع المنازل بأن القطاع ما زال مستقراً، حيث شهدنا مؤخراً ارتفاع وتيرة الأنشطة الإقتصادية داخل القطاع، على الرغم من استمرار مستويات البطالة المرتفعة وتشديد الشروط الإئتمانية في التأثير السلبي على أنشطة القطاع، مع الإشارة إلى أن قيم الحبس العقاري ما تزال مرتفعة، الأمر الذي يؤثر سلباً أيضاً على أنشطة قطاع المنازل.
وبتناول قطاع الخدمات سنجد بأنه يظهر علامات ودلائل على ارتفاع وتيرة الأنشطة الإقتصادية هو الآخر، حيث ارتفع مؤشر معهد التزويد غير الصناعي للخدمات خلال كانون الأول في ظل التحسن الأخير في الأوضاع الإقتصادية، مما يعني أن الإقتصاد الأمريكي في طريق الخروج من الركود، نظراً لكون ارتفاع وتيرة الأنشطة الإقتصادية في قطاعات الخدمات، المنازل، فضلاً عن القطاع الصناعي سيوفر قاعد صلبة لانتعاش طال انتظاره.
ومن المتوقع أن يستمر الإقتصاد الأمريكي في مسيرة التعافي والانتعاش خلال العام الحالي، حيث يعد العام 2010 عام التعافي والانتعاش في إقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، بينما من غير المتوقع أن يكون الإقتصاد الأمريكي قادراً على تحقيق النمو على المدى البعيد والتعافي الكامل قبيل العام المقبل 2011 ، في حين تشير التوقعات الحالية إلى أن الإقتصاد الأمريكي سيكون قادراً على رفع وتيرة التعافي في النصف الثاني من العام 2010 ، نظراً لكون ارتفاع معدلات البطالة سيشكل عائقاً أمام الأنشطة الإقتصادية خلال الفترة المقبلة.
وقد شكل ارتفاع مستويات البطالة عزيزي القارئ أحد أبرز الاهتمامات الرئيسية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث لا تزال معدلات البطالة تحوم حول أعلى مستوياتها منذ العام 1983 ، فقد شهدنا في الأسبوع المنقضي صدور بيانات عن قطاع العمالة والتي أظهرت تحسناً طفيفاً في أنشطة القطاع، ومع ذلك فلا يمكننا إنكار أن معدلات البطالة تقف عند مستويات مرتفعة، وعلى الأغلب ستعرقل مسيرة الانتعاش على المدى القصير.
هذا وقد صدر خلال الأسبوع الماضي عزيزي القارئ مؤشر ADP للتغير في وظائف القطاع الخاص عن شهر كانون الأول، والذي أظهر بأن القطاع الخاص قام بالإستغناء عن 84 ألف وظيفة خلال كانون الأول وبأعلى من متوسط التوقعات، ولكن بأدنى من القراءة السابقة المسجلة عند 169 ألف وظيفة خلال تشرين الثاني، مما يوضح بالتأكيد تباطؤ وتيرة تسريح العمال، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى أن الأوضاع الإقتصادية ستبقى التحدي الأكبر أمام سوق العمالة.
وصولاً إلى أهم الأخبار والبيانات الإقتصادية الصادرة عن الإقتصاد الأمريكي خلال الأسبوع الماضي عزيزي القارئ –تقرير العمالة الأمريكي- والذي أكد على أن الأنشطة ما زالت ضعيفة في قطاع العمالة، علماً بأن قطاع العمالة يعد مفتاح الحل في الإقتصاد الأمريكي حيث صدر مؤشر التغير في عدد الوظائف ما عدا القطاع الزراعي عن شهر كانون الأول، لنشهد انخفاض المؤشر ليصل إلى 85 ألف وظيفة، بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت إضافة 4 آلاف وظيفة خلال تشرين الثاني، لنستنبط بأن قطاع العمالة لا زال يعاني ضعفاً متواصلاً على الرغم من التحسن الأخير في الأوضاع الإقتصادية.
هذا ولم تتغير معدلات البطالة خلال تشهر كانون الأول في البلاد لتقف عند 10.0% ، مما يقودنا إلى توقع استمرار خضوع النمو في الدخل تحت الضغوطات، مما يقودنا إلى استنتاج آخر وهو أن يبقى إنفاق المستهلكين أيضاً تحت الضغط، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن النمو الإقتصادي أيضاً سيبقى ضعيفاً حيث يشكل الإنفاق ثلثي الأنشطة الإقتصادية تقريباً في الولايات المتحدة.
وستواصل معدلات البطالة المرتفعة تأثيراتها السلبية على النشاط الإقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، مع الاخذ بعين الإعتبار بأن الإقتصاد الأمريكي كان قادراً على توسيع أنشطته خلال الربع الثالث من العام 2009 ، وسيستمر على الأغلب في التوسع خلال الأرباع القادمة، ومع ذلك فلا يمكننا توقع أن يكون الإقتصاد الأمريكي قادراً على النمو بوتيرة قوية، على الأقل ليس في الوقت الحالي.