صدر عن وزارة التجارة الأمريكية اليوم تقرير الميزان التجاري في قراءته الخاصة بشهر كانون الثاني/يناير الماضي، ليشير إلى توسع العجز بأعلى مستوى له منذ شهر آب/أغسطس من العام الماضي 2010 وبأسوأ من التوقعات، وذلك على إثر ارتفاع الدولار الأمريكي خلال الفترة الماضية، وبالتحديد خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الأمر الذي أثقل كاهل الصادرات الأمريكية، في حين أن ارتفاع أسعار الواردات خلال كانون الثاني/يناير الماضي واصل التأثير وبشكل كبير على توسع العجز التجاري.
حيث توسع العجز في الميزان التجاري خلال كانون الثاني/يناير الماضي ليصل غلى عجز بمقدار 46.34 مليار دولار امريكي بالمقارنة بالقراءة السابقة والتي تم تعديلها إلى 40.3 مليار دولار كعجز، وبأسوأ من التوقعات التي بلغت عجزاً بمقدار 41.5 مليار دولار امريكي، مشيرا التقرير إلى انخفاض الصادرات بنسبة 0.7% لتصل إلى 148.807 مليار دولار، إلا أن ارتفاع الواردات لا تزال تشكل الضغط على الميزان التجاري الأمريكي، حيث انخفضت الورادات بنسبة 0.4% لتصل إلى 189.092 مليار دولار أمريكي.
واضعين بعين الاعتبار أن الواردات ارتفعت خلال كانون الثاني/يناير بنسبة 5.2% لتصل إلى 214.1 مليار دولار أمريكي، بينما ارتفعت الصادرات وذلك بسبب عودة الدولار الأمريكي إلى الانخفاض خلال أشهر كانون الأول/ديسمبر و كانون الثاني/يناير الماضيين بنسبة 2.7% لتصل إلى 167.74 مليار دولار أمريكي، مع العلم أن الاقتصاد الأمريكي يواجه اعتدالاً في وتير نموه، إلا أن العوائق لا تزال تقف أمامه على الرغم من انخفاض معدلات البطالة مؤخراً إلى 8.9 بالمئة، إلا أنها لا تزال مرتفعة.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن العجز في الميزان التجاري الحقيقي شهد توسعاً أيضا ليصل إلى 49.512 مليار دولار مقارنة بالعجز السابق الذي بلغ 46.046 مليار دولار، في حين أن تقرير الميزان التجاري أظهر أيضاً أن واردات الولايات المتحدة من الطاقة ارتفعت بنسبة 4.3% لتصل إلى 375.303 مليون برميل، مع العلم بأن واردات الولايات المتحدة من النفط الخام ارتفعت خلال كانون الثاني/يناير بنسبة 2.9% لتصل إلى 290.66 مليون برميل، بقيمة بلغت 24.514 مليار دولار أمريكي، وذلك وسط ارتفاع متوسط سعر برميل النفط خلال فترة التقرير بحوالي 4.56 دولار للبرميل، ليصل إلى 84.34 دولار أمريكي للبرميل.
ومن ناحية أخرى فلا ينبغي لنا إغفال ضعف مستويات الطلب حول العالم، حيث تأثر الميزان التجاري خلال فترة إعداد التقرير بارتفاع أسعار النفط من جهة، الأمر الذي أسهم في ارتفاع تكاليف شحن البضائع وبالتالي أثقل كاهل الصادرات الأمريكية، كما وأن مستويات الطلب عالمياً لا تزال بعيدة نوعاً ما عن التعافي الكلي، إذ أن معدلات البطالة لا تزال ضمن المستويات الأعلى لها منذ حوالي ربع قرن، وذلك على الرغم من انخفاضها في الولايات المتحدة إلى 8.9 بالمئة، مع الإشارة إلى أن المنطقة الأسيوية هي المالك الحقيقي لمفتاح الخلاص بالنسبة لمستويات الطلب عالمياً، ووسط ضعف تلك المستويات هناك فقد شكلت جميع تلك العوامل ثقلاً على صادرات البضائع الأمريكية وقادت التوسع في عجز الميزان التجاري.
وكما أكد رئيس البنك الفدرالي الأمريكي بن برنانكي مراراً وتكراراً فإن الاقتصاد الأمريكي يواصل مسيره في عجلة التعافي والانتعاش بوتيرة "معتدلة"، وذلك عقب أن أتت خطط التخفيف الكمي أكلها مؤخراً، لتمكن الاقتصاد الأمريكي من النمو بنسبة 2.8 خلال الربع الرابع من العام الماضي 2010، هذا إلى جانب إسهامها في انخفاض معدلات البطالة في أمريكا إلى 8.9 بالمئة.
إلا أن التحديات لا تزال تقف أمام تقدم الاقتصاد الأمريكي، حيث أن معدلات البطالة لا تزال ضمن أعلى مستوياتها منذ ما يزيد عن ربع قرن، ناهيك عن الأوضاع الائتمانية الصعبة، في حين برزت تحديات جديدة أمام الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة الماضية على خلفية الاضطرابات التي تشهدها مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المليئة بالنفط، الأمر الذي قاد ارتفاع أسعار النفط إلى 1.5 دولار أمريكي للبرميل، ليؤكد برنانكي على أن ذلك الارتفاع قد يقود ارتفاعاً في معدلات التضخم وبشكل مؤقت، مما يثقل كاهل مستويات النمو في البلاد.
وفي سياف منفصل فقد أصدرت وزارة العمل تقريرها الأسبوعي بخصوص طلبات الإعانة، حيث ارتفعت طلبات الإعانة للأسبوع المنتهي في الأسبوا المنتهي في الخامس من آذار/مارس لتصل إلى 397 ألف طلب مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 368 ألف طلب وبأسوأ من التوقعات التي بلغت 376 ألف طلب، في حين انخفضت طلبات الإعانة المستمرة للأسبوع المنتهي في السادس والعشرين من شباط/فبراير وبشكل طفيف لتصل إلى 3771 ألف طلب مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 3774 ألف طلب وبأسوأ من التوقعات التي بلغت 3750 ألف طلب.
يذكر بأن قطاع العمالة الأمريكي لا يزال يسعى جاهداً إلى تحقيق الاستقرار وسط الاضطراب في الأوضاع الاقتصادية، مع العلم بأن الاقتصاد الأمريكي لن يتمكن من الانتعاش بشكل قوي قبيل انخفاض معدلات البطالة بالشكل المنشود، نظراً لكون ارتفاع معدلات البطالة يؤثر في كافة أرجاء الاقتصاد الأمريكي سلبياً، وبالأخص في ما يخص موضوع الإنفاق، علماً بأن الانفاق يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة.
وبالنسبة للاقتصاد الأكثر التصاقاً بالاقتصاد الأمريكي، وهو الاقتصاد الكندي، فقد صدر عنه اليوم مؤشر تجارة البضائع الدولية عن شهر كانون الثاني/يناير، حيث شهدنا انخفاض المؤشر ليصل إلى 0.1 مليار دولار كندي، بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت 3.0 مليار دولار كندي، والتي تم تعديلها إلى 1.7 مليار، وبأدنى من التوقعات التي بلغت 2.6 مليار دولار كندي.
حيث أن ارتفاع أسعار النفط مؤخراً أثر على الاقتصاد الكندي، نظراً لكون كندا تعتبر من أكبر دول العالم تصديراً للنفط والتي تتأثر بأي ارتفاع لأسعار النفط الخام، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الدولار الكندي والذي أثر على الصادرات الكندية، فغي حين أن تحسن الأوضاع في كندا ساهم في تعزيز النشاطات الاقتصادية هناك متأثرة أيضا من الالتصاق الاقتصادي مع الولايات المتحدة.
وفي النهاية فمن المتوقع عقب صدور تلك البيانات أن تكتسي مؤشرات الأسهم الأمريكية باللون الأحمر في مستهل تداولاتها اليوم، وذلك وسط استمرار الأزمة السياسية في ليبيا، واستمرار المواجهات بين الثوار والقوات الأمنية المؤيدة للزعيم الليبي معمر القذافي، الأمر الذي يقود ابتعاد أية انفراجات قريبة في ليبيا، ليبقى ترقب ما سيحدث هنالك سيد الموقف في الأسواق المالية...