شهد الأسبوع الماضي العديد من التطورات عزيزي القارئ، حيث صدر عن الاقتصاد الأمريكي العديد من التقارير والبيانات الاقتصادية، مع الإشارة إلى ان معظم تلك البيانات أكدت على أن الاقتصاد الأمريكي لا زال يسير في طريق التعافي والانتعاش وسط التحسن في أنشطه الاقتصادية، هذا على الرغم من أن بعض التقارير أشارت إلى أن الاقتصاد الأكبر في العالم لا زال بعيداً عن التعافي التام من تبعات أسوأ أزمة مالية تعم العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لنشهد تقلب وتأرجح الأسواق المالية بشكل حاد خلال الأسبوع الماضي، بسبب اختلاط مشاعر المستثمرين ما بين الأمل واليأس بشأن مستقبل النمو في الاقتصاد العالمي.
البداية كانت مع قطاع المنازل، حيث صدر عن الاقتصاد الأمريكي قراءة مؤشر مبيعات المنازل القائمة عن شهر نيسان ليعقبها بيومين قراءة مبيعات المنازل الجديدة للفترة ذاتها، ليظهر المؤشرين قفزة نوعية في أنشطة قطاع المنازل، مع الإشارة إلى أن هذا الارتفاع القوي في أنشطة القطاع جاء بدعم مباشر من برنامج "الإعفاء الضريبي" والذي أقرته الحكومة الأمريكية والقاضي بإعادة الضرائب لمشتري المنازل لأول مرة، حيث وعلى ما يبدو فإن مشتري المنازل استفادوا بشكل كبير من البرنامج قبيل أن تنتهي مدة العمل به.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن قطاع المنازل الأمريكي أظهر مؤخراً تباطؤ وتيرة الانتعاش، الأمر الذي دل على أن قطاع المنازل الأمريكي لن يكون قادراً على أن يستمر في طريق الانتعاش والتعافي بوتيرة قوية، بسبب العقبات والتحديات الجمة التي لا تزال تقف في طريقه، والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب تشديد شروط الائتمان، بالإضافة إلى انخفاض قيمة المنازل، ناهيك عزيزي القارئ عن ارتفاع قيم حبس الرهونات العقارية، لتواصل تلك العوامل مجتمعة إثقال كاهل أنشطة قطاع المنازل الأمريكي، وبالتالي فلا بد لنا من توقع بأن تواصل تلك العوامل الضغط على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، قبيل أن نشهد اكتساب الأنشطة الاقتصادية في كافة قطاعات المنازل الأمريكي لقوة ملحوظة حال زوال تلك العقبات أو على الأقل تقلصها في المستقبل.
وصولاً إلى طلبات البضائع المعمرة، تلك التي أظهرت في قراءتها دلائل مختلطة، حيث شهدنا من جهة ارتفاع طلبات البضائع المعمرة خلال شهر نيسان بأعلى من التوقعات، ومن جهة أخرى انخفضت طلبات البضائع المعمرة باستثناء وسائل النقل بأدنى من التوقعات خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي يوضح بأن مستويات الطلب لا تزال متأثرة بارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان.
أما عن الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهدنا ارتفاع معدلات الثقة في الاقتصاد الأمريكي وبوتيرة قوية خلال شهر أيار، بسبب التطورات الأخيرة التي شهدتها الأوضاع الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي عزز من مستويات الثقة، بسبب تراجع ركود قطاع العمالة الأمريكي، في الوقت الذي نشهد فيه تحسناً في مجمل الأوضاع الاقتصادية ضمن الاقتصاد الأكبر في العالم -الاقتصاد الأمريكي-، علماً بأن مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلكين أظهر ارتفاع معدلات الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية وبأعلى من التوقعات.
عزيزي القارئ، الاعتراف بوجود ضغوطات لا زالت تقف في طريق الاقتصاد الأمريكي أمر بات بديهياً، حيث ولغاية الآن فشل الاقتصاد الأمريكي في السير على نفس سيناريو أدائه خلال الربع الثاني من العام الماضي 2009، نظراً لكون الربع الثاني من العام 2009 شهد توسعاً في أنشطة الاقتصاد الأمريكي بوتيرة أقوى من تلك التي نشهدها حالياً، الأمر الذي تأكد من خلال وزارة التجارة الأمريكية، والتي أصدرت القراءة التمهيدية للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الأول من العام الجاري 2010، لنشهد نجاح الاقتصاد الأمريكي في النمو بنسبة 3.0% خلال الربع، بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت نمواً بنسبة 3.2% للفترة ذاتها وفي القراءة المتقدمة للناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبصفتنا قد تناولنا موضوع النمو في الولايات المتحدة الأمريكية فلا بد لنا من الإشارة إلى أن البنك الفدرالي الأمريكي أكد على أن الاقتصاد الأمريكي سينمو بوتيرة معتدلة خلال الفترة المقبلة، حيث يتوقع الفدرالي الأمريكي بقاء معدلات الانفاق مقيدة بسبب التحديات المتواصلة والتي تقف في طريق الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي بات جلياً في تقرير إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية، عقب تراجع الإنفاق الشخصي ليصل غلى 3.5% بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت 3.6% وبأدنى من التوقعات التي بلغت 3.8%.
وكما هو معلوم لدى الكثير، فالإنفاق في الولايات المتحدة الأمريكية يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي أو بالأصح ثلثي النمو، حيث يشكل 70% تقريباً من الأنشطة الاقتصادية في الولايات المتحدة، مع العلم بأن التوقعات تشير إلى تحسن معدلات الإنفاق خلال الفترة المقبلة، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يكافح للحفاظ على مستويات نمو قوية، الأمر الذي لن يحدث قبيل بدء معدلات البطالة بالانخفاض في الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل ملحوظ.
وصولاً إلى آخر أيام الأسبوع الماضي، والذي حمل لنا في طياته بيانات تقرير الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أظهر التقرير بأن الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع بنسبة 0.4% خلال شهر نيسان الماضي، أما الاستهلاك الشخصي فقد فشل في ملاقاة التوقعات، ليصدر بقراءة صفرية عن شهر نيسان بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت ارتفاعاً بنسبة 0.6%، الأمر الذي يوضح بأن الاقتصاد الأمريكي سيستمر بالنمو خلال الفترة المقبلة ولكن بوتيرة معتدلة ليتطابق مع توقعات البنك الفدرالي الأمريكي، حيث يتوقع البنك الفدرالي الأمريكي بأن مستويات الإنفاق لن تكون قادرة على دعم النمو بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة، في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان بشكل رئيس.
أما الضغوطات التضخمية فلا تزال مكبوحة الجماح، حيث أكدت بيانات شهر نيسان على ذلك، لتتأكد بذلك صحة توقعات البنك الفدرالي الأمريكي، حيث يرى الفدرالي الأمريكي بأن معدلات التضخم الجوهرية سوف تبقى تحت مستويات 2.0% وهي مستويات يحبذها البنك الفدرالي الأمريكي، وذلك خلال العامين المقبلين، وبالتالي فإن اهتمام البنك الدرالي سوف يبقى منصباً على تحقيق النمو في البلاد.
مؤشر شيكاغو لمدراء المشتريات من جهته أظهر بأن الأنشطة الاقتصادية في القطاع الصناعي تراجعت بشكل طفيف خلال شهر أيار، حيث انخفض المؤشر دون التوقعات، إلا أن ذلك يدل على أن الأنشطة الاقتصادية في قطاع الصناعة لا تزال تشهد المزيد من التوسع ولكن بوتيرة أبطأ من ما كانت عليه، مع الإشارة إلى أن قطاع الصناعة الأمريكي دعم النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكي على مدار الربعين الماضيين، وعلى الأرجح فسيستمر بذلك خلال الفترة المقبلة.
الدولار الأمريكي عزيزي القارئ شهد تأرجحاً مقابل العملات الرئيسية في تداولات الأسبوع الماضي، مع الإشارة إلى أن الدولار لا يزال يوسع من دائرة أرباحه بشكل عام، ليأتي ذلك الارتفاع بسبب مخاوف المستثمرين من تبعات أزمة الديون الأوروبية على مستقبل الاقتصاد الأوروبي وعلى مستقبل الانتعاش في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أدى إلى إقبالهم على الدولار الأمريكي، لتشكل أزمة الديون الأوروبية داعماً أساسياً للدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية، وبالأخص مقابل اليورو، والذي انخفض إلى أدنى مستوياته في أربعة أعوام أمام الدولار الأمريكي.
وعلى غرار الدولار الأمريكي فقد تأرجحت أسواق الأسهم بشكل كبير خلال تداولات الأسبوع الماضي، حيث هبطت الأسهم في بداية تداولات الأسبوع الماضي، بسبب التشاؤم الذي عم أوساط المستثمرين حول مستقبل النمو في الاقتصاد العالمي، إلا أن الأسهم استطاعت العودة مجدداً إلى الارتفاع يوم الخميس الماضي بسبب تصريحات الصين في ذلك اليوم والتي أكدت على أنها تلتزم بحيازة سندات أوروبا المدعومة باليورو، لتنفي الصين بذلك الإشاعات التي عمت الأسواق مؤخراً بأنها تعتزم التراجع معن موقفها عن تلك الأصول المقيمة باليورو، الأمر الذي نشر حالة من الثقة حول العالم، مع الإشارة إلى أن أسواق الأسهم أنهت الأسبوع الماضي بتأرجح وسط صدور بيانات مهمة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وبالأخص تقرير الدخل، والذي أشار إلى أن النمو قد يشهد تباطؤاً خلال الفترة المقبلة...