تشهد الأسواق اليوم عزيزي القارئ هدوءا نسبيا وسط افتقار الاقتصاد الأمريكي للبيانات الرئيسية الصادرة، مشيرين إلى أن المستثمرين يعيشون حالة من التفاؤل نوعا ما عقب صدور تقرير الدخل يوم أمس، مشيرين إلى أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي وهو المفضل لدى البنك الفدرالي في قياس مستويات التضخم، أظهر وأكد بأن مستويات التضخم لا تشكل أية نهديدات تذكر على الصعيدين الشهري والسنوي.
ومتحدثين بإيجاز عن القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الأمريكي، ونبدأ بالقطاع الأبرز بين القطاعات، ألا وهو قطاع الصناعة الأمريكي الذي لم ينقطع عن إبداء بوادر التعافي التدريجي من المرحلة الأسوأ من الأزمة المالية منذ الكساد العظيم، واضعين بعين الاعتبار أن مؤشر معهد التزويد الصناعي صدر يوم أمس ليظهر انخفاضا في النشاطات الاقتصادية في القطاع خلال شهر شباط وبأسوأ من التوقعات.
وهنا ننوّه عزيزي القارئ بأن القطاع الصناعي لا يزال ضمن الطريق الصحيح نحو التعافي من الأزمة، وذلك على الرغم من الانخفاض الذي شهدناه خلال شباط، حيث ليس من المنطق أن نشهد حصول معجزة في الاقتصاد الأمريكي ولا نتوقع نموه بشكل حاد أو سريع، وذلك وسط الحرب التي يواصل الاقتصاد الأمريكي يخوضها مع العقبات التي تقف أمام تقدمه المنشود، بينما التوقعات تشير إلى أن القطاع الصناعي سيكون الأسرع تعافيا من الأزمة بالمقارنة مع باقي القطاعات الرئيسية.
أما قطاع المنازل الأمريكي الذي واجه مؤخرا حالة من التباين في الأداء، وهذا على الرغم من البرنامح الذي أطلقته الحكومة الأمريكية والذي هدف إلى تعزيز مبيعات القطاع عن طريق إعفاء المشترين للمنازل لأول مرة من الرسوم الضريبية والبالغة ثمانية آلاف دولار أمريكي، إذ أن المبيعات تأثرت إيجابا من هذا البرنامج ولكن ليس بالصورة المطلوبة، وهذا بسبب الضعف الذي تمر به مستويات الإنفاق لدى المستهلكين، والتي وإن ارتفعت خلال الفترة الأخيرة أو بالتحديد للشهر الرابع على التوالي، إلا أنها لا تزال ضمن مستويات ضئيلة، وهذا ما انعكس بالسلب على المبيعات بشكل عام وعلى مبيعات قطاع المنازل بشكل خاص.
وبالنسبة للقطاع الأكثر نزيفا بين القطاعات، وهو قطاع العمالة الأمريكي فقد أظهر هو الآخر البعض من بوادر التحسن التدريجي والذي وإن كان بسيطا ولكن يعد مؤشر بأن الاقتصاد الأمريكي تمكن من تخطي المرحلة الأسوأ من أزمة الركود، وما على الاقتصاد الأمريكي سوى أن يحافظ على خطاه بثبات إلى حين وصوله إلى بر الأمان أو مرحلة النمو على المدى البعيد.
مسلطين الضوء عزيزي القارئ على أن الشركات الأمريكية أو أرباب العمل لم يشعروا بعد بأن عليهم توظيف أعداد جديدة، ولكن بالمقابل تراجعت حدة عمليات التسريح التي شهدناها خلال مرحلة الركود، وهذه بداية جيدة للقطاع الأكثر تلقيا للأزمة، مشيرين إلى ان الاقتصاد الأمريكي لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق النمو على المدى البعيد.
وهنا نذكر بأن العوائق التي تقف أمام تقدم الاقتصاد الأمريكي والتي تتمثل في معدلات البطالة المرتفعة إلى جانب أوضاع التشديد الائتماني وارتفاع قيم حبس الرهن العقاري لم تؤثر سلبا على قطاع الصناعة وحده أو على قطاع المنازل وحده أو فقط على قطاع العمالة، إنما تلقّى كل قطاع نصيبه من هذه العوائق، حيث أن هذه العقبات تؤثر على مستوى الدخل للمستهلك وبالتالي على إنفاقه، مما ينعكس بالسلب على النمو الاقتصادي، وذلك باعتبار أن إنفاق المستهلكين يمثل حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومتحدثين بإيجاز عن الاقتصاد الأكثر التصاقا بالاقتصاد الأمريكي، ألا وهو الاقتصاد الكندي، فقد أظهر هو الآخر الكثير من بوادر التعافي التدريجي، ولكن تبقى التأثيرات التي تسيطر على الاقتصاد الأمريكي تعتبر تأثيرات أيضا على الاقتصاد الكندي، مشيرين إلى أن الأنظار موجهة اليوم نحو قرار البنك المركزي الكندي بخصوص أسعار الفائدة.
حيث أعلن البنك المركزي الكندي مرارا وتكرارا بخصوص معدل الفائدة، إذ أن التوقعات تشير بأن البنك المركزي سيلتزم بتثبيت أسعار الفائدة على ما كانت عليه سابقا عند 0.25%، حيث ان الاقتصاد الكندي لا يزال يسير على خطى مرحلة التعافي ولكن بوتيرة بطيئة نوعا ما عما تسير به الاقتصاديات الرئيسية حول العالم، واشار البنك المركزي الكندي مسبقا بأن أسعار الفائدة ستبقى كذلك حتى حزيران 2010.
مشيرين إلى أن تقرير الناتج المحلي الإجمالي صدر لكندا يوم أمس لتظهر نموا خلال الربع الرابع من العام 2009 ليلحق بنظيره الأمريكي، إذ نما الاقتصاد الكندي بنسبة 5.0% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 0.4% والتي تم تعديلها إلى 0.9% وبأعلى من التوقعات التي بلغت 4.2%.
إضافة إلى ذلك فقد أظهر الاقتصاد الكندي نموا خلال كانون الثاني بنسبة 0.6% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 0.4%، مما يؤكد أن الاقتصاد الكندي يسير على خطى التعافي التدريجي كما الاقتصاد الأمريكي ليصل إلى مرحلة تحقيق النمو على المدى البعيد بحلول العام 2011.
والجدير بالذكر ان الاقتصاد الكندي تأثر كغيره من الاقتصاديات الرئيسية في العالم من الركود متأثرة أيضا بالركود الذي وقعت به الولايات المتحدة الأمريكية وذلك نظرا للالتصاق الكبير بين الاقتصادين خصوصا في القطاع المالي والمنازل والخدمات لكل منهم.
علما أن الاقتصاد الكندي يسير على خطى الاقتصاد الأمريكي نحو التعافي التدريجي خلال العام المقبل، إذ توقع البنك المركزي الكندي مسبقا أن النمو سيرتفع إلى المستويات المرغوبة مع قدوم النصف الثاني من العام 2011، وبالتالي فإن العام الحالي 2010 يعد عام التعافي للاقتصاد الكندي كما هو للاقتصاد الأمريكي.