أسبوع مضى، وآخر يقف على الأبواب، والعالم بأسره يترقب البيانات والأخبار الأمريكية الاقتصادية بفارغ الصبر، ولكن الاقتصاد الأمريكي كان بخيلاً علينا في الأسبوع الماضي، حيث صدر عنه القليل من البيانات والأخبار الاقتصادية، مع الإشارة إلى أنها أظهرت تواصل عجلة التعافي والانتعاش في الاقتصاد الأكبر في العالم، ولكن وعلى ما يبدو بأن وتيرة الأنشطة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية تباطأت بعض الشيء، في ظل العقبات والتحديات التي لا زالت تقف كالشوكة في حلق الاقتصاد الأمريكي والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة، تشديد شروط الائتمان، ليشكل هذان العاملان بمثابة مطرقة من صلب تعمل على تدمير النشاط الاقتصادي في الاقتصاد الأكبر في العالم -الاقتصاد الأمريكي-.
بداية أسبوعنا المنقضي كانت مع مؤشر مخزونات الجملة، ذلك المؤشر ذو التأثير المنخفض على الأسواق، حيث صدر المؤشر ليظهر مواصلة المنتجين لبناء مخزوناتهم والعمل على رفع مستوياتها، وسط التحسن الأخير الذي شهدته الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي، بسبب تحسن مستويات الطلب مؤخراً، ولكن ومع ذلك فلا بد لنا من الاعتراف بأن مستويات الطلب لا تزال تقع تحت وطأة الضغوطات، وبالتالي فلا بد لنا من توقع حاجتها للمزيد من الوقت قبيل أن نشهد ارتفاعاً قوياً في مستويات الطلب.
وفي منتصف الأسبوع الماضي وبالتحديد في يوم الأربعاء، صدر عن الاقتصاد الأمريكي قراءة الميزان التجاري عن شهر آذار، لنشهد توسعاً في عجز الميزان، بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي إلى جانب ارتفاع أسعار الواردات النفطية، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي أثقل كاهل الميزان التجاري، نظراً لتأثر الصادرات سلباً، وسط تضخم الواردات، وعلى كا يبدو فإن ذلك الحال سيستمر خلال الفترة القادمة، وسط مواصلة الدولار الأمريكي تحقيق الأرباح مقابل العملات الرئيسية، وبالأخض مقابل اليورو، والذي يقع تحت ضغط هائل ، بسبب أزمة الديون الأوروبية، والتي تعصف بعملة الاتحاد الأوروبي.
وقد اتضح الأمر بشكل جلي من خلال مؤشر أسعار الواردات والذي صدر عقب يوم من إصدار قراءة الميزان التجاري، حيث شهدنا ارتفاع المؤشر خلال شهر نيسان بنسبة 0.9% على الصعيد الشهري، أما في قراءته السنوية خلال شهر نيسان فقد ارتفع المؤشر بنسبة 11.1% ، حيث يعد ذلك دليلاً على ارتفاع أسعار النفط، والتي لم تنعكس بعد على معدلات التضخم، حيث يرتبط ارتفاع أسعار الطاقة بارتفاع معدلات التضخم ارتباطاً وثيقاً، لذا فإن ارتفاع الدولار الأمريكي يساعد في تقليل ضغوطات الأسعار بسبب ارتفاع أسعار النفط.
آخر أيام الأسبوع الماضي، يوم الجمعة، شهد صدور تقرير مبيعات التجزئة، والذي جاء بأرقام أفضل من المتوقع، الأمر الذي يعكس التحسن خلال شهر نيسان الماضي بأفضل من التوقعات، حيث ارتفع المؤشر بنسبة 0.4% بالمقارنة مع الارتفاع السابق والذي بلغ 2.1% خلال شهر آذار، أما مبيعات التجزئة عدا المواصلات فقد ارتفعت بنسبة 0.4% خلال نيسان بتطابق مع توقعات المحللين، مع الإشارة إلى أن قراءة شهر آذار أشارت إلى ارتفاع بنسبة 1.2%.
وتعطينا بيانات مبيعات التجزئة مدلولات واضحة على إنفاق المستهلكين، لذا فإن تلك القراءات الخاصة بشهر نيسان توضح بأن مستويات الإنفاق تراجعت نوعاً ما خلال شهر نيسان، مع الإشارة إلى أن مبيعات التجزئة تشكل أكثر من نصف إنفاق المستهلكين، كما ويشكل الإنفاق ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فلا بد لنا من توقع تراجع وتيرة النمو الاقتصادي في أمريكا خلال الربع الثاني من العام الجاري 2010 ، الأمر الذي يؤكد توقعاتنا السابقة والقاضية بتباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الجاري 2010، بالمقارنة مع النصف الثامي من العام الماضي 2009، مع إبقائنا على توقعاتنا بأن الاقتصاد الأمريكي سيظهر نمواً بوتيرة قوية بعض الشيء خلال النصف الثاني من العام الجاري 2010، ومع ذلك فنحن لا نتوقع بأن الاقتصاد الأمريكي سيكون قادراً على تحقيق معدلات نمو كتلك التي حققها في تقارير سابقة.
الانتاج الصناعي من ناحية أخرى ارتفع خلال شهر نيسان بنسبة 0.8% بالمقارنة مع التوقعات التي أشارت إلى ارتفاع الانتاج الصناعي بنسبة 0.7% في حين شهدنا ارتفاع مؤشر معدل استغلال الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال نيسان ليصل إلى 73.7% بالمقارنة مع القراءة السابقة والتي بلغت 73.2% ، مع الإشارة إلى أن السعة الانتاجية تعرف على أنها نسبة الانتاج الفعلي إلى الانتاج المتوقع أو المحتمل، لذا فقد أكدت قراءة المؤشر على التحسن المتواصل الذي تشهده أوضاع الاقتصاد الأمريكي، علماً بأن النشاط الاقتصادي لا يزال تحت وطأة الضغوط جراء ارتفاع معدلات البطالة، وتشديد الأوضاع والشروط الائتمانية.
وفي نهاية أخبار الأسبوع الماضي، فقد شهدنا صدور القراءة التمهيدية لمؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك لشهر أيار، حيث شهدنا ارتفاع مستويات الثقة لتصل إلى 73.3 مقابل 72.2 خلال شهر نيسان و بأدنى من التوقعات التي بلغت 73.5 ، أما توقعات التضخم لسنة واحدة فقد أظهرت ارتفاعاً خلال أيار لتصل إلى 3.1% مقارنة بتوقعات نيسان التي بلغت 2.9%، في حين ارتفعت توقعات التضخم لخمسة أعوام لتصل إلى 2.9% خلال أيار مقابل 2.7% خلال نيسان.
ولا تزال مستويات ثقة المستهلكين تسهد تحسناً مؤخراً وسط تحسن الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي، حيث يشعر المستثمرون بالتفاؤل حيال مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي فعلى الأرجح أن نشهد تحسناً في مستويات الثقة خلال الفترة القادمة وبالأخص إذا ما شهدنا تحسن الأوضاع في قطاع العمالة الأمريكي بوتيرة ملحوظة.
وبالحديث عن الأسواق، فقد تأرجحت أسواق الأسهم بشدة خلال الأسبوع الماضي، وسط القلق حول مستقبل النمو في الاقتصاد العالمي، وسط ارتفاع مشاكل الديون في عدد من الدول الأوروبية، الأمر الذي واصل إثقال كاهل مستويات الثقة في الأسواق، الأمر الذي قاد المستثمرين للبحث عن استثمارات آمنة، ليجدوا في الذهب والدولار الأمريكي ملاذاً آمناً، الأمر الذي قاد ارتفاع الدولار الأمريكي أمام العملات الرئيسية، وبالأخص مقابل اليورو، والذي انخفض بشكل حاد خلال الأسبوع الماضي، في حين سجلت أسعار الذهب خلال الأسبوع الماضي مستويات تاريخية جديدة فوق مستويات 1240 دولار أمريكي للأونصة.