بغداد، 26 يونيو/ حزيران (إفي): تمتزج مشاعر العراقيين بين الارتياح والقلق من تردي الاوضاع، لكنهم يتفقون على أهمية الخطوة، وهم يتابعون مراحل إنسحاب القوات الامريكية من مدنهم، ولاينسون مآسي حفرت في ذاكرتهم على مدى ست سنوات لايطويها غياب العربات والجنود الامريكان من الشوارع.
جمال عبد الاحد (48عاما ) من اهالي محافظة كركوك شمالي العراق"، يقول "نحن نتمنى انسحاب القوات الامريكية من مدينتنا، لكن هل تستطيع القوات العراقية القيام بدورها"، مشيرا الى ان كركوك لاتزال تشهد جدلا بين أحزابها المختلفة حول مصيرها والصراع الدائر بين "العرب والتركمان من جهة الرافضين لانضمامها الى اقليم كردستان حسب الرغبة الكردية، خلافات لاتنتهي أبدا".
غير ان التركماني عباس تقي (معلم) يعتقد "أن الأوضاع بعد الانسحاب ستهدأ بشكل تدريجي، ومايحدث الان من تفجيرات وهجمات هي من جهات تريد لتلك القوات ان تبقى لفترة اطول في البلاد".
أما محمد سردار (كردي) فقال إن الانسحاب مطلب جميع العراقيين، نريد ان تأخذ القوات العراقية دورها وتثبت قدرتها في الدفاع عن أهل العراق وارضه.
إلى ذلك اضاف جاسم العبيدي (القومية العربية) من اهالي محافظة صلاح الدين شمال بغداد، نحن ننتظر هذا اليوم بلهفة، وقال متسائلا "هل الوجود الامريكي سيمنع وقوع التفجيرات ؟"، كما انني اخاف من الصراعات في مرحلة ما بعد ألانسحاب.
وبينما تبدو الصورة ذات جانب عاطفي لدى بعض الاهالي ورغبتهم بالتخلص من الاحتلال والذهاب الى الحرية والسيادة المفقودة حاليا، يتوقف المحلل السياسي نجم حسين أمام نقطة هامة هي ان المعطيات تدل على غياب اي مشروع وطني تجمع عليه القوى الوطنية العراقية لمواجهة مرحلة مابعد الانسحاب، وهو أمر لا ينظر اليه كثير من الوطنيين بعين الرضا خوفا من تعميق الاتجاه الطائفي وعدم التخلص من أثار الاحتلال.
لكن رئيس الوزراء نوري المالكي يقول "لقد كانت الحرب الطائفية أو مقدماتها قد أثرت على الاستقرار السياسي، ولكننا نجحنا في تثبيت الأمن وتثبيت العملية السياسية، واجراء الانتخابات المحلية بنجاح كبير، ونتطلع الى أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة أكثر نجاحا لأنها ستكون خطوة في طريق إستكمال بناء الدولة.
واكد المالكي، في حديث له مع سفراء الاتحاد الاوربي: "في الثلاثين من الشهر الجاري سنكون على موعد مع إنسحاب القوات الامريكية من المدن والقصبات، وبدورنا نؤكد أستكمال جاهزية القوات العراقية لهذه المهمة رغم حدوث بعض الاختراقات الأمنية، ونؤكد اننا اليوم أكثر استقرارا وثباتا، وهدفنا بناء دولة قائمة على أساس الدستور والقانون".
وفي اطار المخاوف الشعبية على عكس التطمينات الرسمية يؤكد مهدي العبيد (ضابط كبير في المخابرات العراقية السابقه): "خوف العراقيين من استثمار بعض القوى الامنية الحالية لفرصة بقائها وحيدة في الساحة وتصرفها على أساس طائفي، وتنفيذها لاجندة اجنبية".
واضاف ان تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق تفتح أبوابا واسعة لتحديات محتملة لما سيخلفه ذلك الانسحاب من فراغ أمني، خاصة وأن جاهزية القوات الأمنية ناقصة، كما ان ولاء هذه القوات بعض هذه القوات غير محسوم.
ويتفق رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي مع مخاوف العراقين الباحثين عن اجابة لسؤال، هل سيكون العراق ساحة صراع إيراني أمريكي، قائلا "إن أحد أسباب التداعيات الأمنية في العراق هو الصراع ما بين بين طهران وواشنطن من جهة، ومن جهة أخرى صراع ما بين دمشق وواشنطن مع وجود اتجاهات أكثر إيجابية فيه".
ويضيف علاوي ان تفكيك الدولة العراقية والفراغ الذي حصل في العراق بعد عام 2003 خلق أزمة كبيرة في الوضع الإقليمي بالكامل سمح بتغلغل الكثير في العراق، وخلق وضعا هشا فيه.
والى جانب القلق من المستقبل تتسائل عوائل عراقية عن المأسي التي خلفها ألاحتلال بعد رحيلة، من سيكون مسئولا عنها، ويعوضها كما يقول عبدالله محمود لمراسل (إفي) وهو يمشي بمساعدة كرسي متحرك بسبب اعاقة حصلت له عندما تعرض منزله لسقوط صاروخ من مروحية امريكة قبل عامين: "لقد حطموا حياتي قبل رحيلهم، فمن سيعيد لي زوجتي التي قتلت في ذلك اليوم، وصحتي".
واضاف بالرغم من انني أحلم مثل الملايين من أبناء العراق أن تغادر الدبابات والجنود الاجانب المحتلين مدننا، واتمنى ان تسيطر قواتنا على جميع المدن، فالانسحاب يعني عودة إرادة الشعب وسيادته، لكني اتسائل عن جروحنا التي خلفها الاحتلال من سيضمدها؟.
في نهاية يونيو/ حزيران الجاري ستنسحب القوات الأمريكية من المدن إلى قواعدها، ويبقى العراقيون في بيوتهم ومناطقهم مع ذكريات مأساوية خلفتها ست سنوات أو اكثر من الاحتلال، يصارعون لمستقبل تحميه قوات عراقية لايمكن الوثوق بها، في ظل مرحلة حساسة قد لاتنقلهم الى شاطئ الامان. (إفي)