من بول تيلور
بروكسل (رويترز) - بأي مقياس من المقاييس كان 2015 عاما ذاق فيه الاتحاد الاوروبي من الأهوال الكثير. وإذا اختار البريطانيون من خلال التصويت في استفتاء الخروج من الاتحاد فربما يكون العام المقبل أسوأ حالا.
فلم يحدث منذ العام 1989 الذي سقط فيه سور برلين وانهارت الشيوعية في شرق أوروبا أن اهتزت القارة بالشدة التي اهتزت بها الحياة السياسية فيها هذا العام.
لكن على النقيض من الاضطرابات التي شهدها ذلك العام ومهدت الطريق لطفرة في التكامل الأوروبي شهد العام 2015 من الأزمات ما هدد بتمزيق أواصر الاتحاد وترك ندوبا وشعورا بالجزع كما شهد إقامة العديد من الحواجز الجديدة.
وكان انهيار الستار الحديدي أدى خلال عامين إلى اتفاق على طرح عملة أوروبية موحدة وعلى مدار الخمسة عشر عاما التالية إلى توسع الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي شرقا حتى حدود روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء.
وبدا أن هذا يؤكد ما تنبأ به جان مونيه الذي يقف وراء فكرة الوحدة الاوروبية من أن وحدة القارة ستخرج للوجود من خلال الأزمات.
وعلى النقيض فقد أدى ما شهده العام الحالي من صدمات سياسية واقتصادية بسبب طوفان المهاجرين وديون اليونان وعنف الاسلاميين والتحركات العسكرية الروسية إلى عودة القيود الحدودية في كثير من الأماكن وإلى صعود نجم قوى سياسية شعبوية مناوئة للاتحاد الاوروبي وإلى تبادل الاتهامات فيما بين حكومات الاتحاد.
وقد حذر جان كلود يونكر الذي يصف الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي بأنه "مفوضية الفرصة الأخيرة" من أن منطقة شينجن التي لا تطبق فيها أي قيود حدودية ويتنقل فيها المسافرون دون الحاجة لجوازات السفر أصبحت في خطر كما أن من المستبعد أن يبقى اليورو نفسه قائما إذا أغلقت الحدود الداخلية.
ولجأ يونكر إلى الدعابة السوداء بعد القمة الأخيرة في قائمة من 12 اجتماع قمة عقده الاتحاد الاوروبي هذا العام خصص أغلبها لإدارة أزمات فقال "الأزمات التي لدينا ستظل موجودة وستأتي أزمات أخرى."
وكانت نبرته الحزينة تذكيرا بالوضع على أرض الواقع فيما يتعلق بالروح التي أبدتها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أبرز زعماء أوروبا عندما أعلنت "بوسعنا إنجاز ذلك" وسعت لتطبيق ذلك على استيعاب مئات الالاف من اللاجئين أغلبهم من سوريا.
ولم تتلق ميركل تأييدا يذكر من شركائها في الاتحاد الاوروبي في اقتسام عبء المهاجرين. وأصرت الغالبية على أن الأولوية لإغلاق الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي بدلا من استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين في بلادهم.
ويرجع هذا في جانب منه إلى استياء مستتر من الهيمنة الألمانية على الاتحاد الاوروبي ورد على رفضها المشاركة بحصة أكبر من المخاطر المالية في الاتحاد الاوروبي.
كما يتهم بعض الشركاء برلين بالرياء فيما يتعلق بالعلاقات التي تربطها بروسيا في مجال الطاقة في الوقت الذي يعاني فيه أصدقاء لها مثل فرنسا وهولندا والدنمرك من صعود نجم الساسة اليمينيين الشعبويين المناهضين للهجرة.
وجاء واحد من أشد ردود الصد فيما يتعلق بتوزيع عبء اللاجئين من فرنسا الحليف الوثيق. فقد قال رئيس الوزراء مانويل فالس عن سياسة الانفتاح التي تتبعها ميركل تجاه اللاجئين السوريين "لم تكن فرنسا هي التي قالت 'تعالوا'."
وتكاثر المنتقدون على ميركل في القمة التي عقدها الاتحاد الاوروبي بمناسبة نهاية السنة. فقد شن عليها رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي هجوما دعمته فيه البرتغال واليونان لرفضها قبول خطة لضمان ودائع البنوك في منطقة اليورو.
ونددت دول البلطيق وبلغاريا وايطاليا بتأييدها لخط أنابيب مباشر لنقل الغاز من روسيا إلى المانيا في وقت يفرض فيه الاتحاد الاوروبي عقوبات على موسكو بسبب تصرفاتها العسكرية في أوكرانيا وكان سببا في إلغاء مد خط أنابيب إلى جنوب أوروبا.
وقال دبلوماسي استمع إلى ما دار من حوار "كان الكل تقريبا ضد ميركل في القاعة."
وإحدى المشاكل التي يرجح أن تزداد تدهورا في عام 2016 هي أن القادة الرئيسيين في أوروبا ضعفاء سياسيا ومشغولون بتحديات داخلية كبيرة بما يجعلهم يعجزون عن اتخاذ التدابير الضرورية المطلوبة جماعيا.
ويتوقف بقاء ميركل ذات التوجهات المحافظة في المستشارية على قدرتها على خفض عدد اللاجئين المتدفقين على ألمانيا في العام المقبل وإظهار سيطرتها على مسألة الهجرة.
وبدون ميركل التي يلقبها المواطنون في بلدها "بأمي" تكريما لمكانتها سينزلق الاتحاد الاوروبي إلى ورطة أكبر.
وقد ميزت هجمات المتشددين في شوارع باريس العام في يناير كانون الثاني وفي نوفمبر تشرين الثاني بالنسبة للرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند وتسببت في صدمة اجتاحت أوروبا كلها بسبب خطر المتشددين الاسلاميين من الداخل وبسبب فشل التعاون الاوروبي على مستوى الشرطة والمخابرات.
وقد ضعف نفوذ فرنسا في أوروبا بسبب ضعفها الاقتصادي في الوقت الذي يكافح فيه أولوند لإعادة انتخابه في عام 2017 في مواجهة السياسية الشعبوية مارين لو بان التي تمثل اليمين المتطرف وكذلك سلفه المحافظ نيكولا ساركوزي.
ولا يهتم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سوى بالتوصل إلى اتفاق لإنقاذ ماء الوجه فيما يتعلق بشروط عضوية بلاده في الاتحاد الاوروبي في فبراير شباط المقبل لتحقيق الفوز في استفتاء حاسم ألمح إلى أنه يأمل إجراءه خلال العام المقبل.
وقد رهن كاميرون مستقبل بريطانيا فعليا بمحاولة حرمان المهاجرين من دول شرق أوروبا من الامتيازات التي يحظى بها العمال البريطانيون من ذوي الدخول المحدودة والتي يقول كثير من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي إنها غير قانونية.
وفي ضوء الانزعاج العام في بريطانيا من مسألة الهجرة والجو السائد المناهض للنخبة والارتياب القديم في أوروبا الذي تعمل وسائل الاعلام المتشككة على الترويج له فإن الاستفتاء قد يحمل في طياته مأزقا كبيرا.
فإذا أصبحت بريطانيا - صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وإحدى القوتين العسكريتين الرئيسيتين في القارة - أول دولة يقرر الناخبون فيها الانسحاب من الاتحاد الاوروبي فستكون تلك لطمة مدمرة للثقة في الاتحاد ومكانته الدولية.
ويعتقد أنصار الاتحاد الاوروبي أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى تحرير بقية الأعضاء من القيود التي تكبل مضيهم قدما في وحدة أوثق قائمة على منطقة اليورو.
لكن هذه الرؤية تتجاهل الانقسامات العديدة بين الدول الأخرى الأعضاء وعددها 27 دولة من شرق وغرب وشمال وجنوب ومؤيدين لحرية الأسواق مقابل مؤيدين لسياسات الحماية واشتراكيين مقابل المحافظين ومدافعين عن السيادة الوطنية مقابل المدافعين عن التكامل.
والأرجح أن الاستفتاء على خروج بريطانيا سيؤدي إلى مطالب بإجراء استفتاءات في دول أخرى من بولندا إلى الدنمرك وسط مفاوضات لاذعة بين لندن وبروكسل حول شروط انسحاب بريطانيا وعلاقاتها بالاتحاد مستقبلا.
وقد كانت الدنمرك مثالا حيا على مدى المخاطرة السياسية عندما تتوجه الحكومات في أي مكان في أوروبا إلى ناخبيها بالسؤال عما إذا كانوا يريدون توثيق العلاقات مع الاتحاد الاوروبي. فقد كان الرد "لا شكرا".
وإذا فاز كاميرون وبقيت بريطانيا في الاتحاد بشروط محسنة فالبعض يخشى من انتشار العدوى السياسية وإحساس قادة وطنيين آخرين بإغراء الرغبة في تقليد أسلوبه الذي جعل به بروكسل رهينة لأغراض داخلية.
وقال مسؤول رفيع في الاتحاد الاوروبي "للأسف نحن نحتاج لفوز كاميرون. لكنه محفوف بالمخاطر لأوروبا كلها."