استطاع الاقتصاد الأمريكي إنهاء أسبوع حافل بالبيانات والأخبار الاقتصادية، وذلك أقل ما يقال عنه بوصفه حمل أيضاً بيانات ونتائج عن الشركات الأمريكية، حيث كان المستثمرين متشجعين بشكل كبير بسبب تلك البيانات الصادرة لترتفع أسواق الأسهم على مدار الأسبوع المنقضي، لنرى مؤشر الداو جونز الصناعي يرتفع إلى مستويات فوق 11,000 نقطة، في حين شهدنا ارتفاع مؤشر S&P 500 إلى مستويات فوق 1,200 نقطة، حيث عم التفاؤل أوساط المستثمرين عقب صدور بيانات بأفضل من المتوقع عن شركات أمريكية رئيسية بما فيها شركتي Intel Corp و Google Inc .
بداية الأسبوع كانت مع تقرير ميزانية الخزينة الأمريكية عن شهر آذار، والذي أظهر تقلص العجز في الميزانية ليصل إلى 65.4 مليار دولار أمريكي، بالمقارنة مع العجز السابق والذي بلغ 191.6 مليار دولار خلال شهر شباط، حيث وسعت الحكومة الأمريكية دعمها المالي في سبيل مساعدة الأنشطة الاقتصادية في شتى قطاعات الاقتصاد الأمريكي لدعم عجلة التعافي والانتعاش في الاقتصاد الأمريكي وبالتالي مساعدة النمو الاقتصادي ضمن أكبر اقتصاد في العالم.
وقد حمل لنا اليوم التالي قراءة الميزان التجاري عن شهر شباط، حيث شهدنا توسع العجز في الميزان ليصل إلى 39.7 مليار دولار أمريكي بالمقارنة مع العجز السابق والذي بلغ 37.0 مليار دولار أمريكي، ليأتي هذا العجز في الميزان التجاري بتأثير مباشر جراء ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، هذا إلى جانب مستويات الطلب التي ما زالت ضعيفة في شتى أنحاء العالم، مما يشكل مزيداً من الضغوط على الميزان التجاري ضمن الاقتصاد الأكبر في العالم، في ظل عدم ارتقاء الأوضاع الاقتصادية في شتى أنحاء المعمورة لتصل إلى مرحلة الثبات.
وبالحديث عن التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، فلا بد لنا من الإشارة إلى أن معدلات التضخم لا تزال تحت السيطرة وبتطابق مع توقعات البنك الفدرالي الأمريكي، حيث يرى الفدرالي الأمريكي بأن معدلات التضخم سوف تبقى ضمن مستويات متدنية لبعض الوقت، بسبب ضعف النشاط الاقتصادي المتواصل وسط ارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان، نظراً لكون هذين العاملين لا يزالا يعملان على إثقال كاهل الأسعار ومنعها من الارتفاع.
ولتتضح الصورة بشكل أكبر، فقد صدر عن الاقتصاد الأمريكي في الأسبوع المنصرم بيانات مؤشر أسعار المستهلكين عن شهر آذار، لتؤكد أرقام المؤشر على توقعات البنك الفدرالي الأمريكي، حيث شهدنا ارتفاع طفيف على الصعيد الشهري، ليرتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1% ، أما على الصعيد السنوي فقد ارتفع المؤشر بنسبة 2.3% فقط، أما مؤشر أسعار المستهلكين الجوهري فقد صدر عند قراءته الصفرية خلال شهر آذار، وإذا ما قمنا بالمقارنة مع أرقام العام الماضي، فسنجد بأن مؤشر أسعار المستهلكين الجوهري ارتفع بنسبة 1.1% فقط.
ولا يشكل التضخم أية تهديدات للاقتصاد الأمريكي، على المدى القصير بأقل التقديرات، فعلى الرغم من قيام البنك الفدرالي الأمريكي إلى جانب الحكومة الأمريكية بضخ كميات هائلة من السيولة المالية ضمن الدارة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تسهيل الإقراض وتخفيف شروط الائتمان لتنشيط النمو الاقتصادي، إلا أن التضخم لا يزال حتى الآن تحت السيطرة، نظراً لكون الارتفاع في عرض النقود ليس مرفقاً مع ارتفاع النشاط الاقتصادي.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن النشاط الاقتصادي لا يزال يرزخ تحت وطأة الضغوطات المتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة كما أسلفنا هذا إلى جانب تشديد شروط الائتمان، ولكن الدلائل والتي باتت جلية للعيان مؤخراً والتي أظهرها الاقتصاد الأمريكي أكدت بأن وطأة تلك التحديات والضغوطات تنخفض يوماً من بعد يوم، حيث ارتفعت مبيعات النجزئة خلال شهر آذار وبوتيرة قوية، الأمر الذي يدل على أن مستويات الإنفاق ضمن أكبر اقتصاد في العالم ما زالت تتعافى، وقد نشهد تعافيها بوتيرة قوية خلال الوقت الراهن.
وصولاً إلى تقرير كتاب بيج الأمريكي عزيزي القارئ، والذي أظهر تواصل الارتفاع في الأوضاع الاقتصادية والأنشطة الاقتصادية والتي تتحسن بوتيرة معتدلة نوعاً ما، نظراً لعجلة التعافي التي تشهدها مستويات الانفاق في البلاد، وبالتالي فإن ذلك يعمل على رفع الأنشطة الاقتصادية في كافة أنحاء الاقتصاد الأمريكي، ليشير البنك الفدرالي الأمريكي إلى أن الأنشطة في القطاع الصناعي اكتسبت قوة و واصلت التوسع في معظم مناطق الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء مقاطعة سانت لويس، وسط تأميدات البنك الفدرالي على أن أنشطة قطاع المنازل بدأت بالارتفاع مجدداً، لينصب قلق الفدرالي الأمريكي على مستقبل قطاع العمالة، حيث وعلى الرغم من قيام الشركات الأمريكية بتوظيف أيدي عاملة جديدة، إلى أن هذا التوظيف يتركز في الوقت الحالي على الموظفين المؤقتين (الغير دائمين).
أما البيانات الصادرة عن قطاع الصناعة فقد أظهرت بأن أسوأ ركود في قطاع الصناعة منذ مطلع الثمانينيات وصل إلى النهاية، حيث واصلت معظم مؤشرات قطاع الصناعة إظهار استمرار التحسن في القطاع، مع الإشارة إلى أن قطاع الصناعة بدأ في التوسع والانتعاش في شهر آب من العام الماضي 2009 ، و منذ ذلك التاريخ واصلت الأنشطة الاقتصادية في القطاع التوسع والارتفاع بوتيرة جيدة ومشجعة، ولم يلتفت القطاع أبداً إلى الخلف منذ ذلك التاريخ.
نهاية أسبوعنا الماضي كانت مع بيانات قطاع المنازل الأمريكي، والتي أظهرت علامات ودلائل مشجعة تدل على أن آخر ركود شهده القطاع في أنشطته انتهى على ما يبدو، حيث عانى القطاع من تراجع طفيف خلال الأشهر القليلة الماضية، بسبب ارتفاع معدلات البطالة في البلاد، تشديد شروط الائتمان، هذا إلى جانب ارتفاع قيم حبوس الرهن العقاري، نظراً لكون تلك العقبات تواصل إثقال كاهل الأنشطو الاقتصادية في قطاع المنازل الأمريكي، على الرغم من تواصل الدعم الحكومي للقطاع من خلال برنامج "الإعفاء الضريبي" أو برنامج إعادة الضرائب لمشتري المنازل للمرة الأولى.
أخيراً وليس آخراً عزيزي القارئ، فإن موسم الإعلان عن أرباح وتقارير الشركات بدأ بداية أقل ما يقال عنها بأنها قوية، حيث تواصل معظم الشركات الأمريكية الإعلان عن نتائج وأرباح بأفضل من التوقعات، بما في ذلك شركات مثل: Intel Corp ، JPMorgan Chase & Co ، هذا إلى جانب Google Inc ، مما ساعد على توليد موجة تفاؤل قوية في سوق الأسهم الأمريكي، مما أدى إلى ارتفاع مؤشر الداو جونز الصناعي لمستويات فوق 11 الف نقطة، وللمرة الأول منذ ثمانية عشر شهراً.
ولا بد أن تعلن المزيد من الشركات عن تقارير أرباح قوية وبأعلى من التوقعات لتسود هذه الموجة من التفاؤل وتستمر، مما يشجع المستثمرين على الإقبال على الأسهم بسبب النتائج المبهرة للشركات، الأمر الذي وإن دل على شيء فإنما يدل على تعافي مستويات الطلب شيئاً فشيئاً، ليس فقط على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما على صعيد العالم أجمع، ممل يؤكد على حيوية مسار عجلة التعافي والانتعاش ضمن الاقتصاد الأكبر في العالم...