الخرطوم، 29 سبتمبر/أيلول (إفي): يرى مراقبون ومعارضون أن الرئيس السوداني عمر البشير الذي يعتقد أنه نجا من تمرد عسكري في شرق البلاد وغربها وثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة عربية في المنطقة بات يواجه أعتى تظاهرات شهدها السودان منذ عقدين.
وصمدت الحكومة السودانية أمام التمرد في جنوب السودان قبل انفصاله وشرق البلاد، ثم دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق و16 عاما من العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة وأمر اعتقال صادر من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور بحق الرئيس البشير.
وكان السودان قد شهد احتجاجات مناهضة للنظام تزامنت مع المظاهرات في تونس ومصر بداية 2011 وأسس نشطاء حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لم تنطلق احتجاجات شعبية كبيرة إثر هذه الحملة.
وفي يونيو/حزيران 2012، اندلعت احتجاجات تزامنت مع ذكرى الانقلاب الذي قاده البشير في 30 يونيو/حزيران 1989، مطيحا بالحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة.
وكان ذلك بعد أن خفضت الحكومة دعم الوقود في إطار خطة لتقليص العجز المتزايد في ميزانيتها. لكن القمع الذي لجأت إليه قوات الأمن أخمد هذه الموجة سريعا والتي كانت قد أخرجت آلاف إلى الشوارع رغم لهيب الصيف السوداني.
وفي ديسمبر/كانون اول الماضي، قامت احتجاجات أخرى لكنها لم تحقق الزخم المطلوب.
لكن الغضب الشعبي تصاعد منذ الاثنين الماضي في أعنف تظاهرات عمت غالبية ولايات البلاد وسط اتهامات باستشراء الفساد وزيادة التضخم في ظل ارتفاع أسعار البنزين وغاز الطهي إلى الضعفين تقريبا، ليكون هو الشرارة التي فجرت الموقف.
وتكمن جذور الأزمة الاقتصادية في السودان في انفصال الجنوب في يوليو/تموز عام 2011.
وأخذت دولة جنوب السودان الجديدة حوالي ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي للسودان وهو شريان الحياة الاقتصاديه.
وصادرات النفط الخام مورد رئيسي للدخل وللعملة الاجنبية تحتاجه الحكومة لاستيراد السلع للسكان البالغ عددهم نحو 32 مليون نسمة.
وزاد معدل التضخم وفقد الجنيه السوداني أكثر من نصف قيمته أمام الدولار في السوق السوداء.
ولم يتضح بعد أن كانت أحدث جولة من الاحتجاجات ستكتسب قوة دفع أم ستتلاشى مثل سابقاتها في السنتين الماضيتين.
وتعاني أحزاب المعارضة من الضعف والانقسامات ولا تجتذب الشبان الذين يطالبون بتغييرات جذرية.
وتواجه حكومة البشير إلى جانب التظاهرات الشعبية، انتقادات متزايدة من اصلاحيين في الحزب الحاكم يطالبون باصلاحات سياسية واقتصادية وهو ما يزيد من متاعب النظام الحاكم.
وتوقع المسئول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي والناطق باسم التحالف المعارض كمال عمر أن "تتحول الاحتجاجات الى ثورة للإطاحة بنظام الحكم".
وقال عمر لوكالة الانباء الاسبانية (إفي) إن "التظاهرات وصلت مرحلة اللاعودة"، مشيرا إلى أن التحالف "يدعو الى تغيير شامل ومرحلة انتقالية في البلاد".
وأضاف أن "ثورة جياع" في طريقها الى اجتياح البلاد وقال انها ستكون "مدمرة" وان "المعارضة تسعى الى تجنب ذلك حتى لا تقع السودان في فوضى ورأى ان الفرصة لا تزال متاحة امام الحزب الحاكم للقبول بمرحلة انتقالية تشارك فيها جميع القوى السياسية".
وقال مسئول العلاقات الخارجية في حزب الأمة المعارض نجيب الخير لوكالة (إفي) إن "التظاهرات وجهت رسالة قوية للحكومة بعد ما كانت تعتقد أنها بعيدة عن ثورات الربيع العربي"، واعتبرها "مخاض عسير وطويل وبذرة تغيير شامل في البلاد" متوقعا "ولادة سودان جديد ديموقراطي يتمتع بالحرية والعدالة".
وفي التاريخ الحديث، عرف السودان عدة ثورات منذ استقلاله عام 1956، وفي 1964 خرجت تظاهرات ضخمة أرغمت الحاكم العسكري للبلاد آنذاك الجنرال ابراهيم عبود على الاستقالة.
وفي السادس من أبريل/نيسان 1985، أطاح الشعب السوداني بالرئيس جعفر النميري الذي حكم السودان 16 عاما بعد استيلاء القوات المسلحة على الحكم يوم 25 مايو/آيار 1969.
وبعد عام واحد من هذه الثورة الشعبية، شهدت البلاد انتخابات حرة فاز فيها حزب الأمة وقام زعيمه الصادق المهدي بتشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي. لكن البشير أطاح بالنظام الديمقراطي في يونيو/حزيران 1989.(إفي)