البيانات الاقتصادية الصادرة من أكبر اقتصاد في العالم خلال الأسبوع الماضي أظهرت المزيد من البهجة التفاؤل في نفس المستثمرين، خاصة وسط نتائج الإيجابية لأعمال الشركات الأمريكية خلال الربع الثالث التي فاقت التوقعات بالإضافة للبيانات الاقتصادية الإيجابية التي أظهرت تسارع نمو الاقتصاد الأمريكي و الأنشطة التجارية و الإنفاق، و على الصعيد الأخر لا يزال قطاع العمال الأمريكي و المنازل يعاني من جراء أسوء أزمة مالية عالمية منذ نحو سبع عقود، الشيء الذي يجعل الصورة المستقبلية ضبابية و غير واضحة المعالم إلا أن الصورة الحالية تشير لإحياء العافي على الرغم من كونه بطيء.
شهدنا في مطلع الأسبوع الماضي ارتفاع الطلب على البضائع المعمرة باستثناء وسائل النقل و انخفاض الطلب على السلع المعمرة بصورة أفضل من التوقعات، نتيجة لضعف الطلب على الشركات المصنعة للطائرات، خاصة مع تراجع الطلب العالمي لتصنيع طائرات جديدة من الشركة الأمريكية العملاقة لصناعية الطائرات بوينج التي نوهت لكونها قد تلقت خلال شهر أيلول نحو 59 طلب جديدة مقارنة بنحو 127 طلب في شهر آب الماضي، و ذلك وسط الظروف الاقتصادية العالمية المتشددة في ظل الأزمة المالية العالمية.
إلا أن ارتفاع الطلب على البضائع المعمرة باستثناء وسائل النقل بصورة أفضل من التوقعات يجعلنا نشيد لتحسن أوضاع أنشطة الأعمال التجارية و الصناعية في أكبر اقتصاد في العالم خاصة وسط النتائج الإيجابية لأعمال الشركات الأمريكية العملاقة خلال الربع الثالث الشيء الذي يدعم تعافي الاقتصاد الأمريكي في ظل التحديات التي تثقل علي كاهله.
الجدير بالذكر أن قراءة مؤشر طلبات البضائع المعمرة لشهر أيلول قد جاءت بنسبة -0.8% مقارنة بتراجع بنسبة -0.1% في القراءة السابقة لشهر آب، و بذلك تعد تلك القراءة أفضل من توقعات المحللين التي أشارت لتراجع بنسبة -1.0%.
أما عن قراءة مؤشر طلبات البضائع المعمرة باستثناء المواصلات لشهر أيلول فقد جاءت بنسبة 1.7% مقارنة بتراجع بنسبة -0.1% في القراءة السابقة لشهر آب، و بذلك تعد تلك القراءة الحالية أفضل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 0.4%.
نصل بذلك للحدث الأهم خلال الأسبوع الماضي و هو تسارع نمو أكبر اقتصاد في العالم حسب القراءة الأولية للربع الثالث من العام الجاري مع انتعاش الإنفاق الشخصي الذي يمثل نحو ثلثي الاقتصاد الأمريكي مدعوما بشكل كبير بالخطط التحفيزية التي عملت على دعم أكبر اقتصاد في العالم، خاصة و أنها ساهمت بشكل ملحوظ في دعم أنشطة الأعمال التجارية و الاقتصاد الأمريكي ككل الشيء الذي انعكس بالتابعية على أداء الشركات الأمريكية العملاقة التي فاقت نتائجها التوقعات خلال الربع الثالث.
أظهرت القراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث خلال الأسبوع الماضي تسارع النمو لنسبة 2.5% مقارنة بنمو بنسبة 1.3% خلال الربع الثاني متوافقة من توقعات المحللين التي أشارت لنفس النسبة، في حين أظهرت قراءة الناتج المحلي الإجمالي المقاس بالأسعار للربع الثالث نمو بنسبة 2.5% مقارنة بنفس نسبة النمو خلال الربع الثاني، و بذلك تعد تلك القراءة أفضل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 2.4%.
مما لا شك فيه أن الإنفاق الاستهلاكي قد اكتسب المزيد من الزخم خلال الربع الثالث خاصة مع تراجع مستويات الادخار في الولايات المتحدة الأمريكية التي تراجعت بنسبة -4.1% خلال الثلاثة أشهر السابقة لتصل لأدنى مستوى لها منذ الربع الرابع من عام 2007، الشيء الذي دعم ارتفاع المبيعات بشكل ملحوظ على المستوى السنوي لترتفع بنسبة 2.7% و ذلك بخلاف تحسن نتائج الشركات الأمريكية الشيء الذي يساهم بشكل ملحوظ خلال الفترة المقبلة في دعم قطاع العمالة الأمريكية الذي لا يزال يعاني من جراء أسوء أزمة مالية عالمية منذ الكساد العظيم.
أظهرت قراءة الإنفاق الشخصي للربع الثالث ارتفاعا بنسبة 2.4% مقارنة بالقراءة السابقة للربع الثاني بنسبة 0.7%، كما أن تلك القراءة الحالية تعد أيضا أفضل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 1.9%، أما عن قراءة نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري للربع الثالث فقد أظهرت ارتفاعا بنسبة 2.1% و بذلك تعد تلك القراءة الحالية أقل من القراءة السابقة للربع الثاني بنسبة 2.3%، بالإضافة لكونها تعد أيضا أقل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 2.2%.
كما أظهرت قراءة الإنفاق الشخصي لشهر أيلول ارتفاعا بنسبة 0.6% مقارنة بنسبة 0.2% في القراءة السابقة لشهر آب متوافقة بذلك مع توقعات المحللين، في حين جاءت القراءة السنوية لنفقات الاستهلاك الشخصي المثبط لشهر أيلول بنسبة 2.9% عند نفس النسبة السابقة و بذلك تعد أقل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 3.0%، كما جاءت قراءة نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري لشهر أيلول بالثبات عند مستويات الصفر مقارنة بنسبة 0.2% التي عدلت من نسبة 0.1% لتكون هي الأخرى أقل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 0.1%، في حين أظهرت القراءة السنوية لنفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري لشهر أيلول ارتفاع نسبة 1.6% مقارنة بنسبة 1.7% التي عدلت من نسبة 1.6% و بذلك تعد أقل من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 1.7%.
على الصعيد الأخر لا يمكننا أن نتجاهل عمل العديد من الشركات و المؤسسات الأمريكية خلال الفترة السابقة على الحفاظ على أسعارها باستمرار أو خلق إغراءات و عروض تسويقية جديدة و اقتصادية و ترفيهية لتشجيع المستهلكين على شراء السلع و الخدمات، و قد شاهدنا عزيزي القارئ على سبيل المثال سلسلة مطاعم الوجبات السريعة العملاقة ماكدونالدز قد خفضت أسعارها في جميع أنحاء العالم.
مما لا شك فيه عزيزي القارئ أن استقرار نمو الناتج المحلي الإجمالي المقاس بالأسعار خلال الربع الثالث بالإضافة لاستقرار ارتفاع نفقات الاستهلاك الشخصي مقارنة باتساع الناتج المحلي الإجمالي لنسبة 2.5% مقارنة بتحقيقه نمو بنسبة 1.3% خلال الربع الثاني تجعلنا نوجه أنظارنا نحو معدلات التضخم، خاصة و أن ذلك يشير بشكل أو بأخر لكون معدلات التضخم لها عامل أساسي في ذلك.
الجدير بالذكر أن الخطط التحفيزية التي أقرها صانعي السياسة النقدية و الحكومة الأمريكية و التي تعمل حالياً على دعم أكبر اقتصاد في العالم لها أيضا وجه أخر و هو إشعال معدلات التضخم، الشيء الذي قد يؤثر بشكل ملحوظ على قرارات صانعي السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة خاصة وسط التباين في الآراء تجاه عمل خطط تحفيزية جديدة لدعم تعافي الاقتصاد ستكون بذلك ثالث خطة من خطط التخفيف الكمي.
نصل بذلك عزيزي القارئ للبيانات الاقتصادية الأمريكية التي تجعلنا نرى الصورة المستقبلية للاقتصاد الأمريكي ليست مكتملة المعالم، خاصة و أن الخطر مازال قائم كما أنه في تزايد حتى و أن كان طفيف خاصة وسط تزايد الحجز علي الرهن العقاري و البيع الاضطراري و ذلك في ظل انخفاض أسعار المنازل الذي من المتوقع أن يستمر علي أقل تقدير خلال الأشهر القليلة المقبلة، في حين أن الصورة على نطاق أوسع تشير لكون الظروف الاقتصادية الراهنة غير مشجعه على الإطلاق وسط ارتفاع معدلات البطالة و ضعف سوق العمل الشيء الذي لا يشجع أي انتعاش حقيقي في قطاع الإسكان.
أظهرت قراءة مبيعات المنازل قيد الانتظار لشهر أيلول تراجع بنسبة -4.6% و بذلك تعد تلك القراءة الحالية أسوء من القراءة السابقة لشهر آب بنسبة -1.2%، كما أن القراءة الحالية تعد أيضا على عكس توقعات المحللين التي أشارت لارتفاعا بنسبة 0.3%، أما عن القراءة السنوية لمبيعات المنازل قيد الانتظار لشهر أيلول فقد جاءت بنسبة 7.9% و بذلك تعد أقل من القراءة السابقة بنسبة 13.1%، كما أنها تعد أيضا أسوء من توقعات المحللين التي أشارت لنسبة 12.6%.
على الصعيد الأخر فقد جاءت قراءة طلبات الإعانة للأسبوع المنتهي في 22 من تشرين الأول بنحو 402 ألف طلب مقارنة بنحو 403 ألف طلب في القراءة السابقة، و بذلك تعد تلك القراءة الحالية أعلى من توقعات المحللين التي أشارت لنحو 401 ألف طلب، في جين أن قراءة طلبات الإعانة المستمرة للأسبوع المنتهي في 15 من تشرين الأول قد جاءت بنحو 3645 ألف طلب مقارنة بنحو 3,719 ألف طلب في القراءة السابقة، و بذلك تعد تلك القراءة الحالية أفضل من توقعات المحللين التي أشارت لنحو 3,700 ألف طلب.
نصل بذلك لكندا الدولة المجاورة لأكبر اقتصاد في العالم و الشريك التجاري الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية التي صدر عنها خلال الأسبوع الماضي قراءة شهر آب لمبيعات التجزئة إيجابية بنسبة 0.5% مقارنة بتراجع بنسبة -0.6% في القراءة السابقة لشهر تموز، و بذلك تعد تلك القراءة أفضل من التوقعات التي أشارت لنسبة 0.3%، ذلك بالإضافة لكون قراءة شهر آب لمبيعات التجزئة عدا الموصلات قد جاءت أيضا إيجابية بنسبة 0.4% مقارنة بالقراءة السابقة لشهر تموز التي أظهرت الثبات عند مستويات الصفر، و بذلك تعد تلك القراءة أيضا أفضل من التوقعات التي أشارت لنسبة 0.3%.
الجدير بالذكر أنه على الرغم من إيجابية البيانات الاقتصادية الكندية إلا أنها لم تؤثر على قرار صانعي السياسة النقدية لدى البنك المركزي الكندي تجاه أسعار الفائدة خلال الأسبوع الماضي خاصة وسط تلك الظروف الاقتصادية بشكل عام، لذلك فقد أبقى صانعي السياسة النقدية لدى البنك المركزي الكندي خلال الأسبوع الماضي على أسعار الفائدة عند مستوياتها المنخفضة عند نسبة 1.00% لدعم الاقتصاد الكندي في ظل تباين الاقتصاد الكندي و العالمي من جراء الأزمة المالية العالمية.